Written: July 1977
Published: July 25, 1977
Source: Al-Hurriya, No. 825, Vol. 18, July 25, 1977, pp. 27-30
Digitalisation: Orient-Institut Beirut
Proof-reading: Sam Berner
HTML: Vishnu Bachani
أديس أبابا – من مندوب «الحرية» خالد عبد الرحمن
من الخارج .. يصعب على المرء، حتى ولو دقق النظر، أن يتصور «قصر منليك القديم والظليل»، القائم في قلب أديس أبابا، قلعة حصينة يحتلها المجلس العسكري الأثيوبي. فحركة السيارات كثيفة أمام القصر، والحراسة عادية .. والسور يبدو كما لو كانت وظيفته كف أبصار الحشريين فلا ترهق العائلة الملكية الجليلة. وعبور الحرس يضع الداخل مباشرة وجها لوجه مع الحراسات اليقظة المنتشرة بحذر .. ولكن من الصعب أيضًا أن يتلمس المرء في هذا الانتشار المسلح الحذر آثار القلق والنرفزة. اليد على الزناد ولكن الوجوه ليست مقطبة ولا الحركات عصبية.
في هذا القصر – المقر، يقيم الكولونيل مانغستو هايلي ماريام رئيس المجلس العسكري الأثيوبي، الرجل الهادئ والرزين وشديد الانتباه لكل ما يقوله محاوره، والشديد الاحترام للكلمة الصريحة يسمعها بترحاب أو يقولها دون تكلف. وقد كان لنا معه لقاء طويل حيث طرحنا عليه أسئلة في غاية الصراحة مرتبطة بالوضع في أثيوبيا وما حولها:
■ مضي على الثورة الأثيوبية ضد الحكم الإمبراطوري ما ينوف عن السنتين، تحقق خلالها العديد من الإنجازات الديمقراطية لصالح الجماهير الأثيوبية، بدءًا من مسألة الأرض، مرورا بتأميم المساكن والمؤسسات التعليمية الخاصة، وكذلك البنوك والمؤسسات الصناعية .. وانتهاء بانتهاج سياسة معادية للإمبريالية، ولكن اللوحة تبقى نائمة في ظل غياب الحريات الديمقراطية التي تسمح للجماهير بتنظيم نفسها من أجل المشاركة بالتورة ومن ثم قيادتها.
فما هو موقفكم من ذلك؟
□ مانغستو: كثير من التقدميين الأثيوبيين يطرحون عليّ هذا السؤال، وأنا بدوري أقول، أنه لن تكون عندنا ثورة بدون حريات ديمقراطية، ولكننا لا نرى الديمقراطية بمعزل عن القوى الطبقية للدولة.
لم تكن هناك أي «حريات» قبل الثورة .. وبعد سنتين لا زلنا نخاف من أن يستعمل أعداء الشعب هذه الحريات. شعبنا المضطهد لم يع بعد ولم ينظم نفسه بما فيه الكفاية بينما الرجعية منظمة. ولكن ذلك لا يعني أن ليس في البلد ديمقراطية. لقد كان هدفنا في السنتين الأخيرتين إعطاء ما كانت تملكه الطبقات المالكة إلى المسحوقين. وأعطينا الحريات الديمقراطية للمنظمات الجماهيرية. لقد استطاع الفلاحون مثلا خلق نظام ديمقراطي على مستواهم: اتحادات فلاحية، لجان أحكام، لجان أمن شعبي. العمال هم بصدد بناء منظماتهم النقابية، وهم يفعلون ذلك بالتعاون مع المثقفين الثوريين. الحريات موجودة بالممارسة وخاصة حرية العمل الحزبي والنقابي ولكنها غير معلنة بتشريع قانوني.
ولو أعلنا الحريات الديمقراطية منذ سنة لكان الفوضويون (يقصد أساسا الحزب الثوري لشعوب أثيوبيا) والإقطاعيون قد أضرّوا كثيرًا بالثورة. حتى الآن كانت الثورة في موقع الدفاع، ولكنها انتقلت إلى موقع الهجوم. ونحن نعتقد أن القوى الثورية هي التي ستستفيد أكثر من الحريات الديمقراطية الآن، إن مقياسنا في هذا الموضوع هو من المستفيد؟ .. مثلا، استعمل الرجعيون «الديمقراطية» ليعطوا للسلطة وجها غير تقدمي، مما اضطرنا لاتخاذ إجراءات لإسكاتهم. أن إعلان الحريات الديمقراطية بتشريع قانوني هو موضوع وقت والمنظمات الثورية المتحالفة والناشطة في صفوف الشعب تناقش الآن هذه المسألة.
■ أصبح من المعروف أن لديكم خمس تنظيمات ثورية: تحاول أن تأتلف من أجل تشكيل الحزب الثوري عبر النضال الجماهيري، ولكنني لمست التنافس بين هذه المنظمات، ألا تعتقدون أن ذلك يهدد بالغزو الانتهازي لهذه المنظمات؟ كما علمت بأن أحد هذه التنظيمات (الشعلة الثورية) قريب من السلطة، ألا تعتقدون أن ذلك يهدد بشكل خاص بعملية غزو انتهازي من قبل بيروقراطية الدولة المتمثلة بالبرجوازية الوسطى والصغيرة، مما يهدد حزب المستقبل نفسه علمًا بأن أمثلة شبيهة حصلت في بلدان أخرى؟
□ مانغستو: أولا – أحب كثيرًا الصراحة التي تتكلم بها، والموضوع الذي تثيره مهم جدًا، ونحن لم تكن لدينا خبرة ولكن هناك خبرة العالم. الرفاق في المجلس وأنا نهتم بهذا الموضوع وممكن أن نواجه هذه المشكلة، ولكن وضعنا الحالي هو التالي:
حتى الآن، المنظمات الموجودة داخل أثيوبيا منظمات صغيرة لا تستطيع أن تمسك بالسلطة وعلاقة الدولة الثورية بهذه المنظمات هو برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الذي تم التوصل إليه بالحوار مع المنظمات الحزبية والنقابية وقد أعلناه في وقت حاسم كانت فيه الرجعية ناشطة (يقصد البرنامج الذي أعلن في نيسان ٧٦). وقد حاولت الدولة أن تترجم البرنامج إلى عمل ملموس من خلال «المكتب المؤقت لتنظيم الجماهير» المشكل من المنظمات الخمس التي ذكرت. وقد استطاع المكتب تنظيم الجماهير بالشكل الذي وصلنا إليه اليوم، والحكومة تساعد المكتب على الرغم من أن أشخاصه ينتمون لمختلف التنظيمات الحزبية الديمقراطية والتقدمية في البلاد.
نحن نطلب من كل المنظمات العمل الجدي لبناء الحزب، والأمثلة التي أعطيتها لا نستغرب أن تحصل عندنا،ولكن ما يقلل من هذا الاحتمال (أي خطر الانتهازية) هو الصعوبات الهائلة المحيطة بنا. على كل حال، إن أثيوبيا العهد البائد لم يكن فيها مكان للحريات بل دكتاتورية الإمبراطور والإقطاع والكمبرادور .. والآن وفي ظل الحرية سوف يدخل هذا الحزب الذي نعتزم بناءه العناصر المسلحة بالوعي، المستعدة للتضحية، ولن يكون في تنظيمنا مكان للانتهازيين.
■ في أثيوبيا – كما فهمت – اثنتا عشرة قومية معترف بها من أربعين قومية موجودة، وتتكلم شعوبها ثمان وثمانين لغة، في الماضي مارس الإمبراطور قمعًا شرسًا ضد هذه القوميات، تمثل بسيطرة قومية الأمهرا عليها .. والصراع ناشب الآن في أكثر من منطقة أثيوبية، بعضه صراع قومي. الدم لا يزال يسيل غزيرًا في إرتريا، فكيف يتوافق ذلك مسيرة الثورة الوطنية الديمقراطية التي تناضلون من أجل إنجازها؟
□ مانغستو: النظام الإقطاعي في أثيوبيا لم يكن له مثيل في العالم. وفي ظله كان ممكنا لقومية واحدة أو طائفة واحدة أن تسيطر. وأنا لا أقصد قومية الأمهرا ككل أو قومية التغراي ككل، بل طبقة من هاتين القوميتين. وعندما يأتي ملك من قومية معينة والدين دين هذه القومية، يشعر الناس بمن فيهم الفقراء بالامتيازات لأبناء هذه القومية. وعلى الصعيد الطبقي، كانت هناك طبقة من هذه القومية تضطهد القوميات الأخرى. ولكن رغم كل الاضطهاد لم تكن هناك قوة ثورية منظمة قادرة على الإطاحة بالسلطة، ولذا وقع ذلك على عاتق القوات المسلحة، وقد أعلنت السلطة الثورية في «برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية»، حق القوميات المضطهدة في تقرير مصيرها بما فيه الحكم الذاتي ضمن وحدة الوطن الأثيوبي. ونحن لم نستثن الإرتريين من هذا الحق. وقد أعلنا من أجل ذلك برنامج النقاط التسع الذي يقرر بحق الإرتريين بتقرير المصير ضمن إطار الحكم الذاتي القومي بما يحفظ وحدة الجمهورية الإثيوبية المعادية للإمبريالية والرجعية. ومسألة أريتريا من أخطر المشكلات التي نواجهها. والرجعية تحاول الآن التمسك بها لهدم الوضع الجديد وإعادتنا للعهد البائد، مسنودة بذلك من قبل الدول الرجعية المحيطة بنا والمتآمرة مع الإمبريالية الأمريكية على الثورة الإثيوبية.
في السابق كانت الثورة الإرترية تناضل ضد نظام إقطاعي، وكان من الممكن أن تشعل في ثورات أخرى داخل أثيوبيا كنا نشجعها، وبعد الثورة اعتقدنا بأن الوضع الجديد سوف يدفع بالإرتريين للوقوف معنا في خندق واحد. ولكن للأسف الشديد، لم يحاولوا فهم التحولات داخل بلادنا بل حاولوا إشعال الحرب أكثر والإفادة من الأوضاع من أجل فصل إرتريا فورًا. ومن ناحية أخرى فكلما ازدادت صلة الثورة الإثيوبية بالقوى الثورية في العالم نرى زيادة عزلة الإريتريين عن هذه القوى ونراهم منساقين إلى حظيرة الرجعية. وهم يتلقون في الآونة الأخيرة حملة مساندة قوية وخاصة من السعودية والسودان. إن مشكلة الإرتريين الآن، أنهم لا يحاربون الإقطاع بل أصبحوا أداة لمحاربة الثورة الأثيوبية. إن أي محاولة من جانب أصدقائنا لعقلنة الانفصاليين (يقصد الإرتريين) تعجل بالحل الديمقراطي، وإذا استطاع الأصدقاء التقدميون العرب وفي العالم عمل ذلك فهذا إسهام إيجابي، وبطبيعة الحال ليست لدينا أية نية للمصالحة مع الرجعية الإرترية، والحل الوحيد هو القوة معها ومع كل القوى الرجعية الإثيوبية أيضا. ولكن إذا كانت هناك قوى تقدمية داخل إرتريا فالحل معها ممكن ولكن الشمس تغرب ... والوقت مهم.
■ ماذا عن مشكلات أثيوبيا مع جيرانها؟
□ مانغستو: عندنا مشكلة الحدود من الصومال، ومن الآن يرفض الصوماليون مجرد النقاش حول مشكلات الحدود بين بلدينا. والمشكلة الأخرى بيننا وبين الصومال هي مشكلة جيبوتي. ففي السابق كانت الصومال وكذلك أثيوبيا الإمبراطورية تدعيان سيطرتهما على جيبوتي. وبسبب موقف الصومال، وكذلك موقف أثيوبيا السابق تمكن الفرنسيون من البقاء. نحن الآن مع استقلال جيبوتي ووحدتها، وضمان هذا الاستقلال من قبل الصومال وأثيوبيا. ولكن سياسة التوتير المتبعة من قبل الصومال تجاهنا تطيل من أمد الوجود الفرنسي على شكل استعمار جديد لجيبوتي أو على شكل قواعد عسكرية، كما تصر فرنسا حتى بعد إعلان استقلال جيبوتي. إن من شأن ذلك أن يضع أمن المنطقة في خطر. ونحن نقول أن على الاستعمار الفرنسي أن يرحل دون ترك قوات أو قواعد.
إن الإمبريالية هي المستفيدة حاليا من سياسة توتير العلاقات بين أثيوبيا والصومال، فهي تحاول إطالة وجودها العسكري في جيبوتي وتحويلها إلى مستعمرة جديدة. وان أي بلد يدعي العداء للإمبريالية ويترك شعبًا آخر تحت الاحتلال نتساءل عن جدية عدائه للإمبريالية.
■ النظام الإمبراطوري السابق كان ينسج تحالفًا وثيقًا مع الصهيونية ودولة إسرائيل، فهل لكم أن تعطونا فكرة عن سياستكم تجاه قضية الشعب الفلسطيني؟
□ مانغستو: بسبب من مشكلات خلال السنتين الماضيتين لم نعط القضايا الخارجية حقها. ولكن رغم ذلك كنا نتابع النضال المرير الذي تخوضونه، هذا النضال قد يطول لأن الدول الرجعية التي تتكلم عن تحرير فلسطين تحاول في نفس الوقت القضاء عليكم. وفيما يخصنا لم نكف عن تأييد الثورة الفلسطينية في المحافل الدولية وذلك من أجل حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. وقد طالبنا بفتح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في بلادنا، في مقر السفارة الإسرائيلية السابقة، كي تتم عملية الحوار فيما بيننا، حيث يمكنكم التعرف على مشكلاتنا وتعريفنا بمشكلاتكم. هذا رأيي الشخصي وكذلك رأي رفاقي وعلى كل حال كونوا على ثقة أن الشعب الأثيوبي معكم في كفاحكم المرير .. ومنذ انتصار الثورة لا يوجد لنا أية علاقات بإسرائيل من أي نوع كان، وموقفنا صلب ويتطور باستمرار ضد الصهيونية والإمبريالية والرجعية المحلية في المنطقة.