مفاهيم ومصطلحات |
حرف الجيم |
موسوعة الماركسية |
الجدل / Dialectics / Dialectique علم أكثر القوانين عمومية التي تحكم تطور الطبيعة والمجتمع والفكر. وقد سبق التصور العلمي للجدل تاريخ طويل من التطور، وبزغ المفهوم الخالص للجدل من خلال تنقيح المعنى الأصلي للمصطلح، بل لقد ظهر حتى من هزيمة هذا المعنى الأصلي. لقد أكد الفلاسفة في القديم تأكيدا قاطعا تحول الوجود واعتبروا العالم صيرورة. وافترضوا تغير كل خاصية إلى عكسها. ونجد في هذا الصدد هيرقليطس وبعض الفلاسفة الملطيين، والفيثاغوريين. غير أن مصطلح الجدل لم يكن قد استخدم بعد. ومصطلح الجدل (فن الجدل) يعني في الأصل فن النقاش والتجادل أي (أ) فن الجدل بطريقة الأسئلة والأجوبة (ب) فن تصنيف المفاهيم وتقسيم الأشياء إلى أجناس وأنواع. وقد اعتقد أرسطو، الذي لم يفهم علم الجدل عند هيرقليطس، أن الجدل من اختراع زينون الأيلي الذي حلل الجوانب المتصارعة في مفهومي الحركة والتعدد. وقد فرّق أرسطو بين الجدل، أي علم الآراء والاحتمالية، وعلم التحليلات أي علم البراهين. وفي أعقاب الأيليين عرّف أفلاطون الوجود الحقيقي بأنه ماهوي وغير قابل للتحول، ومع هذا أشاد في محاورته "السوفسطائي" و"بارمنيدس" بالمحطة الجدلية القائلة بأن الأجناس العليا للوجود يمكن عدم تصور كل منها إلا كوجود ولا وجود، كمساوية لبعضها وغير مساوية، كمتطابقة مع أنفسها وكعابرة إلى "شيء عداها". ومن ثم فالوجود يحتوي المتناقضات، فهو مفرد وجمعي، سرمدي وعابر، متحرك وساكن، في حالة سكون وفي حالة حركة. والتناقض هو الشرط الضروري وهو يدفع النفس إلى التأمل. وهذا الفن في رأي أفلاطون هو فن الجدل. وواصل الأفلاطونيون الجدد تطوير علم الجدل. وقد استخدم مصطلح الجدل في الفلسفة المدرسية، فلسفة المجتمع الإقطاعي، ليشير إلى المنطق الصوري في مقابل فن البلاغة. وقد نادى نيقولاس أوف كوسا وبرونو في المرحلة المبكرة من التطور الرأسمالي بالأفكار الجدلية القائمة على "تطابق الأضداد". وبرغم تفشي الميتافيزيقا قدم ديكارت وسبينوزا في الفترة التالية نماذج من الفكر الجدلي، قدمها ديكارت في نظريته عن خلق الكون، وقدمها سبينوزا في رأيه عن الجوهر باعتباره علة ذاته. وقدم روسو وديدرو ثروة من الأفكار الجدلية. ففحص روسو التناقض باعتباره شرط التطور التاريخي، وذهب ديدرو خطوة أبعد ففحص التناقضات في الوعي الاجتماعي المعاصر في زمانه في روايته "ابن أخ رامو". وجاءت أهم مرحلة قبل الماركسية في تطور الجدل في المثالية الكلاسيكية الألمانية التي نظرت – على عكس المادية الميتافيزيقية – إلى الواقع، لا على أنه مجرد موضوع للإدراك، بل اعتبرته أيضا موضوعا للنشاط. غير أن الجهل بالأساس المادي الحقيقي للإدراك ونشاط الذات قد حد من أفكار المثاليين الألمان الجدلية وشوهها. وكان كانط أول من أحدث ثغرة في الميتافيزيقي، فقد لاحظ فحوى القوى المتضادة في العمليات الفيزيائية وعمليات خلق الكون، وحذا ديكارت في إدخال فكرة التطور في معرفة الطبيعة. وطور كانط،، في مضمار مبحث المعرفة، الأفكار الجدلية عن آرائه الخاصة بالنقائض. ولكنه وصف جدل العقل بأنه وهم سرعان ما يتبخر بمجرد أن يرتد الفكر في داخل ذاته، وينقد بمعرفة الظواهر المناسبة. وفي الفترة التالية دعا فيخته إلى ما أطلق عليه تعبير منهج التناقض للمقولات الاتدلالية، وذلك في كتابه "النظرية العلمية" ويحتوي هذا المنهج على أفكار جدلية هامة. وبعد كانط جاء شلنغ الذي طور الجدل أيضا، ودعا إلى الاستيعاب الجدلي لظواهر الطبيعة. وكان الجدل المثالي عند هيغل ذروة في تطور الجدل فيما قبل الماركسية. وبصرف النظر عن مفهوم هيغل الزائف فإنه "قدم العالم كله الطبيعي منه والتاريخي والعقلي، لأول مرة، على أنه صيرورة أي في حالة حركة وتغير وتحول وتطور دائم، وبذلت المحاولة لاستخراج الرابطة الداخلية التي تشكل كلا متصلا لهذه الحركة كلها وهذا التطور كله" (انجلز "الرد على دهرينغ"). لقد آمن هيغل بأن الجدل – على نقيض التعريفات المجردة المختلفة للعقل – هو التحول من التعريف الواحد إلى تعريف آخر ، كاشفا أن هذه التعريفات أحادية الجانب ومحدودة، أي أنها تحتوي على نفي أنفسها. ولهذا قال هيغل أن الجدل هو "حياة ونفس التقدم العلمي، إنه الدينامية التي تعطينا وحدها رابطة وضرورة كامنتين في جسم العلم". وقد تجاوزت نتيجة جدل هيغل المعنى الذي نسبه المؤلف إليه. ذلك أن رأي هيغل عن الضرورة، التي تصل بها جميع الأشياء إلى نفيها، احتوى على عنصر يبث الثورة في الحياة والفكر، ولهذا السبب اعتبر المفكرون البارزون في عصره أن جدله هو "علم جبر الثورة" (هرزن). وجاء التقدير العلمي الحقيقي للجدل على يد ماركس وانجلز. فقد استأصلا المضمون المثالي لفلسفة هيغل، وأقاما الجدل على فهمهما المادي للعملية التاريخية، وتطور المعرفة، وعلى تعميمها للعمليات الواقعية التي تحدث في الطبيعة والمجتمع والفكر. ويضم الجدل العلمي أساسا القوانين التي تحكم تطور الوجود، وقوانين المعرفة. وهاتان المجموعتان من القوانين متماثلتان وإن اختلفتا في الشكل ليس إلا: ولهذا السبب ليس الجدل المادي "انطولوجيا" (وجوديا) فحسب، بل هو تعاليم "أبستمولوجية" (معرفية) أيضا. إنه منطق يعتبر الفكر والمعرفة مساويين للوجود، الذي هو في حالة حركة وتطور، ومساويين للأشياء والظواهر، وهي في حالة صيرورة في عملية التطور، وهي تحدد مستقبلها أو ما ستصبح عليه. وبهذا المعنى تعد نظرية المعرفة أيضا في نظر الجدل المادي تاريخا معمما للمعرفة. ولهذا فإن كل تصور، أي كل مقولة، تاريخي بطبيعته، برغم طابعه العام للغاية. إن التناقض هو المقولة الرئيسية في الجدل المادي. وهو فيما يتعلق بالتناقض يكشف عن القوة الدافعة ومصدر كل تطور. فالتناقض يحتوي على مفتاح جميح المقولات الأخرى، ومبادئ التطور الجدلي: التطور بالانتقال عن التغيرات الكمية إلى التغيرات الكيفية، وانقطاع الانتقال التدريجي، والطفرات، ونفي اللحظة المبدئية في التطور، ونفي هذا النفي نفسه، والتكرار في مستوى أعلى لبعض ملامح وجوانب الحالة الأصلية. إن الجدل المادي هو المنهج الفلسفي لبحث الطبيعة والمجتمع. وليس هناك شيء عدا التناول الجدلي السليم قادرا على فهم البزوغ المعقد والمتناقض للحقيقة الموضوعية، والارتباط في كل لحظة من لحظات تطور العلم بين عناصر المطلق والنسبي، بين الثابت والمتغير، والتحول من مجموعة لأشكال التعميم إلى مجموعة أخرى للأشكال الأعمق.
|
الجزء والكل / Part and Whole / La Partie et le Tout مقولتان فلسفيتان تعكسان العلاقات بين الموضوعات المختلفة وجوانبها وعناصرها وكذلك رابطتها. وتحمل هذه الرابطة طبيعة الكل، بينما الموضوعات التي تتعلق بها تظهركأجزاء لها. والفرق بين الكل والمجمل الكمي البسيط لأجزائه وُجد لأول مرة في مؤلفات أرسطو وفي الفلسفة السابقة على الماركسية كان هناك حلان متعارضان لمشكلة الكل: الحل الاجمالي الميتافيزيقي الكل هو أكثر من مجموع أجزاء؛ وهو جوهر روحي لا يمكن معرفته. وتفرق الفلسفة الكلاسيكية – الألمانية – (انظر شيلنغ وهيغل) بين الكل غير العضوي والكل العضوي الذي يتطور بذاته، ولكن الأخير يرتبط بتطورالروح وليس بتطور المادة. وفي القرن التاسع عشر استغل التأمل في مشكلة الكل – على نطاق واسع – من جانب كثير من المدارس المثالية (المذهب الحيوي الجديد، ومذهب الكل، وعلم النفس الجشطلتي والفلسفة البنيانية والنزعة الكليه والحدسية، الخ). فالعلاقة الموضوعية الحقيقية بين الجزء من الكل فيُعبر عنها بطريقتين عامتين للغاية: غير العضوي والعضوي. أما الكل غير العضوي فهو شكل من أشكال توحيد الموضوعات تكون العناصر المؤتلفة الداخلة في إطاره في ارتباط داخلي مغلق وثابت. ولا يمكن رد صفات الكل غير العضوي إلى المجمل الآلي لصفات أجزائه. والذرات والخلايا والبلورات، الخ أمثلة على مثل هذه التشكيلات للكل. ومن ناحية أخرى فإن الكل العضوي (الكائن العضو الحر، والمجتمع، الخ) شكل من أشكال ارتباط الموضوعات تتحقق فيه الرابطة المعينة ككل قدرتها على التطور الذاتي، ماضية خلال المراحل المتعاقبة من التعقد المطرد. وتدخل مكونات الكل العضوي في علاقات – ليس فقط مع التآزر بل أيضا مع الائتمار، اللذين يحددهما نشوء بعض العناصر من أخرى في مسار تغاير الكل. وخارج الكل فإنها لا تفقد عددا من صفاتها فحسب (كما هو الحال في الكل غير العضوي) ولكنها لا يمكن أن توجد كلية. ومن المهم للغاية لعملية الإدراك أن تأخذ في الاعتبار التفاعل الجدلي بين الجزء والكل. ففي حالات الظواهر المركبة من الضروري بصفة خاصة أن نعتبر: (1) أنه من غير الصحيح رد الكل إلى أجزائه، لأن هذا يمكن أن يفضي إلى سوء فهم للكل على أنه نهائية كيفية خاضعة لقوانين نوعية؛ (2) الحاجة إلى فحص الكل في كل تركيبه والاستغلال النسبي لجوانبه وعناصره وأجزائه التي يتكون منها، لأن هذه الأخيرة يمكن أن تكون لها سماتها العينية التي لا تتفق مباشرة مع الكل؛ (3) أن فحص الجوانب والأجزاء الفردية ينبغي أن يقوم على أساس معرفة (على الأقل تمهيدية، افتراضية) بطبيعة الكل، وعلى النقيض من ذلك، فإن دراسة الكل ينبغي أن ترتكز على معرفة صفات مكوناته، أي عناصره.
|
الجملة الخبرية / Apophansis / Apophantique (لا يجب الخلط بينها وبين "الجملة النافية" التي تعني السلب) هي قضية يعرّفها أرسطو على النحو التالي: « كل جملة لها معنى، ومع هذا فإن كل جملة ليست قضية، لا تكون الجمل قضايا إلا إذا كانت تحمل في داخلها الصدق أو الكذب ». والجملة الخبرية في المنطق التقليدي لا تعني أكثر من تأكيد أو نفي شيء عن شيء. وعندما تستخدم الجملة الخبرية مرتبطة بعبارات أخرى بهدف استدلال نتيجة ما فإن أرسطو يستخدم الاصطلاح "مقدمات".
|
الجميل / The Beautiful / Le Beau مقولة جمالية تعكس وتقوم ظواهر الواقع والأعمال الفنية التي تمنح الانسان إحساسا بالمتعة الجمالية، والتي تجسد بشكل حسي موضوعي حرية القوى الابداعية والمعرفية وتمامها، وقدر ات الإنسان في كل مجالات الحياة الاجتماعية: جوانب العمل، والجوانب الاجتماعية السياسية، والروحية. وتعتبر المثالية (أفلاطون وكانط وهيغل) الجميل صفة للروح أو للوعي (سواء كان موضوعيا أو ذاتيا). وكانت الفلسفة المادية فيما قبل الماركسية تؤمن بموضوعية الجميل، ولكنها كثيرا ما أحالت الجميل – بسبب طابعها التأملي – إلى خاصية طبيعية خالصة (كالقول بأنها تماثل أو انسجام الأجزاء والكل، أو الإنسان كمخلوق طبيعي، الخ). وقد قدم تشيرنيشيفسكي تعريفا أصيلا وثوريا للجميل بأنه حياة، وأنه التبدي الكامل للحياة. ويحمل مفهوم الجميل طابعا تاريخيا، وله مضمون يختلف باختلاف الطبقات. وينطلق علم الجمال الجدلي والمادي من حقيقة أن الجميل إنتاج للممارسة الاجتماعية والتاريخية. إنه يظهر إلى حيز الوجود ويتطور عندما يحقق الإنسان ككائن إجتماعي (طبقا للمقياس الذي تدرك به القوانين الموضوعية) – على نحو أكثر اكتمالا وحرية في الظروف التاريخية المعينة – مواهبه وقدراته الإبداعية، وعندما يكون هو سيد موضوعات العالم الحسي، أي عندما يستمتع بالعمل باعتباره تجلي قواه البدنية والعقلية. ويجد الجميل تعبيرا مركبا وتاما عنه في الأعمال الفنية والصور الفنية. ويكتسب الجميل في الحياة وفي الفن – حين يمنح المتعة واللذة الروحية – دورا معرفيا وتربويا عظيما في المجتمع. فالعمل الفني الجميل – من زاوية نظر المثل الأعلى الجمالي التقدمي – ينسخ الواقع بصدق، ولا ينشأ الجميل الحقيقي في ظروفنا المعاصرة إلا خلال النضال من أجل إعادة بناء المجتمع ثوريا. ولا يمكن إقامة الظروف الاقتصادية الاجتماعية الملائمة للشعب العامل، لكي يبدع أعمالا ذات جمال، وليكتسب مقدرة أتم على تقدير الجميل، إلا بواسطة الشيوعية.
|
(في المنطق) صفة لقضية طبقا للشيء المخبر عنه: فالقضية يمكن أن تكون ضرورية، أو ممكنة، أو عرضية، أو مستحيلة، الخ: وفي المنطق التقليدي تنقسم القضايا إلى ضرورية (يقينية) أو ممكنة (إشكالية) وحقيقية (خبرية). أما المنطق الحديث فإنه يتيح إمكانية تحليل صفات الجهة، معتبرا إياها تقديرا "بعدمنطقيا" معينا لخبر ما. والجهة المنطقية للعبارات تتحدد من اعتبارات منطقية بحتة وليس من اعتبارات فعلية. وعلى سبيل المثال فإن القضية (ق) تكون ضروروية إذا – وفقط إذا – كانت صادقة وفقا لأسس منطقية بحتة، أي إذا كان قبول اللاقضية (لاق) يفضي إلى تناقض كذلك يمكن أن تتميز العبارات وفقا لجهات وصفية، جهات فيزيقية (سببية) في الأساس. وتعتمد الجهات الأخيرة على ما إذا كانت العباراة ضرورية، أو ممكنة، أو عرضية بسبب قوانين فيزيقية معينة. وهكذا فإن العبارة القائلة "كل الكواكب تتحرك في شكل إهليجي" هي عبارة ضرورية فيزيقيا، بينما القضية القائلة "عدد الكواكب تسعة" عرضية فيزيقيا. وفي المنطق المعاصر – خاصة في العبارات التومولوجية (الفيزيقية المنطقية) عند هانز رايشنباخ – تبذل محاولات لتحديد المعايير المنطقية الدقيقة للجهة الفيزيقية (أنظر منطق الجهة).
|
في الفلسفة السابقة على الماركسية معناه المبدأ الأول غير القابل للتحول الكامن في كل الأشياء الموجودة، والذي يظل دون مساس في كل التحولات، متميزا عن الأشياء والظواهر العينية المتحولة؛ هو ذلك الجوهر الأعم والأعمق، الذي لا يقوم سببه وأساسه على شيء آخر وإنما على ذاته. وتأخذ المثالية الجوهر على أنه الله، العقل الكلي، الفكرة، الخ؛ وفي مذهب وحدة الوجود (انظر نيكولاس كوسا، برونو، الخ) الله متوحد مع الطبيعة. أما الماديون فيأخذون الجوهر على أنه شيء مادي. وتقبل النظريات الثنائية (ديكارت) جوهرا ثنائيا، ماديا ومثاليا، كل منهما معادل للآخر بصورة مطلقة، وهو ما يصطدم بفكرة الجوهر ذاتها. وترفض المادية الجدلية فكرة أي جوهر غير قابل للتحول، موحد، متجانس، وتعتقد أن المادة التي في حركة وتطور مستمرين هي الجوهر، أساس العالم. وهذا المفهوم أكثر دقة ووضوحا (انظر وحدة العالم وتنوعه).
|
معنى شيء ما، الذى هو فى ذاته، في تميز عن كل الأشياء الأخرى وتعارضه مع الحالات المتغيرة للشيء تحت تأثير ظروف مختلفة. ومفهوم الماهية ذو أهمية كبيرة. لأي مذهب فلسفي ولرسم الخط الفاصل بين المذاهب من زاوية كيفية رؤيتها للجوهر وعلاقة الوجود بين الجوهر والوعي والفكر. وتعتبر المثالية الموضوعية الوجود والواقع والوجود العيني متوقفة على جوهر الأشياء، الذي تنظر إليه على أنه شيء مستقل وثابت ومطلق. وفي تلك الحالة فإن جوهر الأشياء يشكل واقعا مثاليا محددا ينتج كل الاشياء ويوجهها (أفلاطون، وهيغل). أما المثاليون الذاتيون فيعتبرون الجوهر نتاجا للذات التي تسقط الجوهر وراء ذاته وتدركه في شكل أشياء. والنظرة الصحيحة الوحيدة تكمن في إدراك واقع الجوهر الموضوعي للأشياء وانعكاسه في الذهن. والجوهر لا يوجد خارج الاشياء، وإنما فيها ومن خلالها، باعتباره صفتها الرئيسية المشتركة وقانونها. وتنقب المعرفة الانسانية أعمق وأعمق تدريجيا في جوهر العالم الموضوعي. وتستخدم هذه المعرفة من أجل التأثير المتبادل في العالم الموضوعي. بغرض تحويله عمليا (انظر الواقع الفعلي، الجوهر والمظهر).
|
الجوهر والمجال / Substance and Field / Substance et espace مفهومان أساسيان من مفاهيم علم الطبيعة
(الفيزياء)، يشيران إلى شكلين أساسيين للمادة عند مستوى عياني، حيث
الجوهر هو جماع التشكيلات المنفصلة التي تملك كتلة السكون
(الذرات والجزيئات واجتماعهما)، بينما المجال هو شكل المادة الذي يتميز
باستمرارية ويملك كتلة سكون بمستوى صفر (المجال الكهرومغنطيسي ومجال
الجاذبية). وقد كان اكتشاف المجال كشكل للمادة ذا أهية فلسفية هائلة
لأنه بيّن خطأ التوحيد الميتافيزيقي بين المادة والجوهر. وكانت صياغة
لينين للتعريف المادي الجدلي للمادة مبنيا في كثير من جوانبه على
التعميمات الفلسفية لنظرية المجال. وتصبح عملية التمييز بين الجوهر
والمجال نسبية عند المستوى الأدنى من الذري (أي مستوى الجسيمات
الأولية) وتفقد المجالات (الكهرومغنطيسية والجاذبية) طابعها المستمر
الخالص، وهي تقارن بالضرورة بالتشكيلات المنفصلة، الكوانتات
(الفوتونونات(1)، والغرافيتونات(2)) وتظهر الجسيمات الأولية التي يتألف
منها الجوهر (البروتونات والنيوترونات والالكترونات والميزونات (3)،
الخ) ككوانتات للنوية والميزون، الخ وكمجالات، وتفقد طابعها المنفصل
الخالص. ومن الخطأ – عند مستوى ما دون الذرة التفرقة بين الجوهر
والمجال حتى على أساس من امتلاكهما أو عدم امتلاكهما كتلة سكون، حيث أن
مجالات النوية والميزون، الخ لا تملك كتلة سكون. وفي علم الطبيعة
الحديث تتعارض المجالات وتتشابه مع الجسيمات، فتشكل جانبين مترابطين
على نحو لا يقبل الانفصال للميكروكوزم(4) وتعبر عن وحدة لصفات لجسيمية
الاشعاعية (المنفصلة) والموجية (المستمرة) للأشياء الدقيقة. كذلك تشكل
مفاهيم المجال الأساس لتفسير عملية التفاعل المتجسدة في مبدأ الفعل
المباشر (أنظر الفعل المباشر والفعل عن بعد).
|
الجوهر والمظهر / Essence and Appearance / Essence et Apparence مقولتان فلسفيتان تعكسان الجوانب الكامنة بالضرورة في كل من أشياء الواقع. الجوهر جماع الصفات والعلاقات الأعمق والأكثر استقرارا للشيء، والتي تحدد أصله وطابعه واتجاهات تطوره. أما المظهر فهو جماع الصفات والعلاقات المتنوعة الخارجية والمتحركة للشيء، والتي تتكشف مباشرة للحواس. المظهر هو الحالة التي يتكشف الجوهر فيها. ويتخذ المثاليون نظرة محرفة إلى هاتين المقولتين، فهم إما أن يعتبروا الجوهر مثاليا ("المثل" عند أفلاطون، و"المطلق" عند هيغل)، أو يأخذون المظهر على أنه ذاتي والجوهر على أنه موضوعي لا يمكن إدراكه (كانط واللاأدرية) أو يعلنون أن فعل التمييز بين الجوهر والمظهر نفسه في الشيء أمر ذاتي (ديوي، لويس)، أو – أخيرا – ينكرون الجوهر كلية ويوحدون بين المظهر والحس (ماخ، والظواهرية). والجوهر والمظهر وحدة: فكما أنه لا يمكن أن توجد جواهر "خالصة" غير ظاهرة، لا يمكن أن تكون هناك مظاهر خالية من الجوهر، « فالجوهر يظهر. والمظهر جوهري » (لينين). وتتضح وحدة الجوهر والمظهر أيضا في حقيقة أنهما يتحولان الواحد منهما إلى الاخر. فذلك الذي يكون في وقت من الاوقات (أو من ناحية من النواحي) جوهرا قد يصبح في وقت آخر (أو من ناحية أخرى) مظهرا، والعكس بالعكس. ولكن وحدة الجوهر والمظهر متناقضة أبدا. والاثنان جانبان للتناقض. الجوهر هو العنصر الذي يحدد، والمظهر هو العنصر الذي يتحدد، المظهر يتبدى مباشرة في حين أن الجوهر يخفى، وللمظهر جوانب أكثر من الجوهر ولكن الجوهر أعمق من المظهر. وجوهر الشيء دائم واحد، ولكنه يتبدى في عديد من المظاهر، والمظهر أكثر حركة من الجوهر، حتى إن المظهر الواحد نفسه قد يكون تبديا لجواهر مختلفة، بل حتى متضادة. وقد يعبر المظهر عن الجوهر بطريقة محرفة وغير كافية (انظر المماثلة) ولكن هناك تناقضا لا بين الجوهر والمظهر فحسب، وإنما في الجوهر نفسه. وهذه التناقضات هي التناقضات المبدئية في الشيء. وهي التي تحدد تطوره ككل. وتدرك المادية الجدلية – على النقيض من الميتافيزيقا – أن الجوهر متغير. ويحدد التناقض بين الجوهر والمظهر الطبيعة المركبة المتناقضة لعملية المعرفة، لأن « كل علم يكون سطحيا إذا اتفق المظهر الخارجي للأشياء مع جوهرها اتفاقا مباشرا » (كارل ماركس – رأس المال). وهدف المعرفة هو التغلغل اللانهائي من المظهر إلى الجوهر، واكتشاف جوهر الأشياء تحت مظهرها، وإثبات السبب في تبدي الجوهر بطريقة معينة وليس بأخرى. ويعطي التأمل المباشرالانسان معرفة بما يبدو على السطح، أي المظاهر. أما المعرفة بالجوهر فنبلغها بواسطة الفكر المجرد. وفي العلم يتخذ الانتقال من معرفة المظهر إلى معرفة الجوهر الشكل النوعي للانتقال من التجربة (أو الملاحظة) عبر الوصف إلى التفسير.
|