Neue Rheinische Zeitung

كارل ماركس

البرجوازية والثورة المضادة


كتبها كارل ماركس في ديسمبر 1848
نشرت في مجلة "Neue Rheinische Zeitung No. 183 " (الراينانية الجديدة) كولونيا 29 ديسمبر عام 1848
ترجمة : سعيد العليمي
التحرير الرقمي
: علي بطحة (فبراير 2023)


(4)

كولونيا 29 ديسمبر

” ايها السادة، البيزنس هو البيزنس! ” [1]

لخص هانسمان بهذه الكلمات القليلة كل ليبرالية الدايت الاقليمى المتحد. لقد كان من المؤكد ان يكون هذا الرجل على رأس الحكومة التى استندت على جمعية المساومين، الحكومة التى كان عليها ان تحول المقاومة السلبية ازاء الشعب الى هجوم نشط على الشعب، حكومة العمل.

لم تحتوى اى حكومة بروسية على هذا العدد الكبير من اسماء تنتمى للطبقة الوسطى. هانسمان، ميلده، ميركر، كولفيتتر، جيركه! حتى فون اورسفالد، وهذه الوجوه المقبولة فى البلاط، تنتمى كلها للارستقراطية الليبرالية فى معارضة كونيجسبرج التى اعلنت ولائها للبورجوازية. مثل روت فون شريكنشتين وحده النبالة الاقطاعية البيروقراطية البروسية القديمة وسط هذا الحشد. روت فون شريكنشتين! العنوان الباقى من رواية آفلة عن اللصوص والفرسان خطها المرحوم هيلدهبراندت. [2] ولكن كان روت فون شريكنشتين الاطار الاقطاعى للجوهرة البورجوازية فحسب. لقد عنى وجود روت فون شريكنشتين فى حكومة طبقة وسطى مايلى، منطوقا بحروف كبرى: يقود النجم الجديد الصاعد، وهو الطبقة الوسطى البروسية الاقطاعيين البروسيين، والجيش والبيروقراطية. لقد وضعت هذه الشخصيات القوية نفسها تحت تصرفها، وقد وضعتهم الطبقة الوسطى امام عرشها، بالضبط كما كانت توضع الدببة امام حكام الشعب فى شعارات ورموز النبالة القديمة.

قدمت حكومة هانسمان نفسها يوم 26 يونيو للجمعية الوطنية. وبدأ وجودها الفعلى فى يوليو. كانت ثورة يونيو هى ظهير حكومة الاعمال، بالضبط كما شكلت ثورة يونيو خلفية حكومة الوساطة.

لقد وظفت البورجوازية البروسية الانتصار الدموى الذى حققته حكومة باريس على البروليتاريا ضد الشعب، بالضبط كما وظف التاج البروسي الانتصار الدموى للكرواتيين فى فيينا ضد البورجوازية. لقد كانت معاناة البورجوازية بعد نوفمبر النمسوى جزاء معاناة الشعب البروسى بعد يونيو الفرنسي. لقد زل التافهون الالمان فى قصر نظرهم وضيق افقهم حين تصوروا انفسهم البورجوازية الفرنسية. فهم لم يقلبوا عرشا، ولم يقضوا على المجتمع الاقطاعى، ولا على اثاره الاخيرة، ولم يكن عليهم ان يدعموا مجتمعا خلقوه بأنفسهم. لقد اعتقدوا، بعد احداث يونيو، وبعد احداث فبراير، كما كان عليه الحال منذ بداية القرن السادس عشر وخلال القرن الثامن عشر، انهم سوف يكونوا قادرين بطريقتهم التقليدية الماكرة فى كسب النقود ان يسرقوا ثلاثة ارباع الربح الذى انتجه عمل انسان آخر. لم يكن لديهم لمحة عن حقيقة انه خلف يونيو الفرنسى قبع نوفمبر النمسوى وخلف نوفمبر النمسوى، ديسمبر البروسى. وهم لم يشكوا انه بينما واجه بورجوازية التاج المشتتة فى فرنسا، عدو واحد فقط، وهو البروليتاريا، فإن البورجوازية البروسية المتداخلة مع التاج، امتلكت حليفا واحدا فقط هو – الشعب. ليس لأن هاتين المجموعتين لم تكن لهما مصالح متناقضة، ولكن لانهما ماتزالا ملتحمتين معا بنفس المصالح فى مواجهة قوة ثالثة تضطهدهم معا على قدم المساواة.

لقد اعتبرت حكومة هانسمان نفسها حكومة ثورة يونيو. وعلى التضاد مع ” السارقون الحمر ” تحول التافهون فى كل مدينة بروسية الى ” جمهوريون محترمون ” دون ان يكفوا عن ان يكونوا ملكيين ذوى قيمة، متغافلين عرضا عن حقيقة ان ” الحمر ” قد زينوا قبعاتهم بشرائط بيضاء وسوداء. [3]

اغتفر هانسمان لكامبهاوزن فى خطابه امام العرش فى 26 يونيو ملكيته الغامضة الضبابية ” ملكية على اعرض الاسس الديموقراطية “.

” ملكية دستورية مؤسسة على نظام المجلسين مع ممارسة السلطة التشريعية بشكل مشترك من المجلسين والتاج. ” كانت هذه هى الصيغة الجافة التى اختزل اليها الشعار المنذر لسلفه المتحمس.

” تعديل اكثر الشروط اساسية التى لاتتلائم مع الدستور الجديد، تحرير الملكية من القيود التى تعوق افضل توظيفاتها ملائمة فى جزء كبير من المملكة، اعادة تنظيم القضاء، اصلاح التشريع المالى وخاصة الغاء الاعفاءات الضريبية، الخ. ” وقبل كل شئ ” تقوية الدولة وهو الامر الضرورى لحماية الحرية التى تم كسبها ” (من قبل المواطنين)” ضد الرجعية ” (اى، استخدام الحرية لصالح الارستقراطية الاقطاعية) ” والفوضوية ” (اى، استخدام الحرية لصالح الشعب) ” ولاستعادة الثقة المهزوزة “.

كان هذا هو برنامج الحكومة، برنامج البورجوازية البروسية فى الوزارة، والذى كان هانسمان ممثلها الكلاسيكى. كان هانسمان فى الدايت الاقليمى المتحد اشد خصوم الثقة سخرية ومرارة، لأن – ” ايها السادة، البيزنس هو البزنس! ” اعلن هانسمان فى منصبه “استعادة الثقة المهزوزة ” بوصفها ضرورة اولية لأن – هذه المرة خاطب الشعب كما كان قد خاطب العرش قبلا – لأن 

” ايها السادة، البيزنس هو البيزنس!“

قبلا كانت الثقة هى مسألة اعطاء النقود، اما هذه المرة فقد كانت الثقة التى تصنع النقود، اذن فقد كانت مسألة ثقة اقطاعية، الثقة المخلصة فى الرب، والملك والوطن، والآن هى ثقة بورجوازية، ثقة فى التجارة والمتاجرة، فى فائدة رأس المال، فى قدرة اصدقاء المرء التجاريين على الوفاء، اى الثقة التجارية، وهى ليست مسألة ايمان، حب او امل، وانما مسألة ائتمان.

لقد عبرت افكار هانسمان ” استعادة الثقة المهزوزة ” عن الفكرة الثابتة لدى البورجوازية البروسية.

يعتمد الائتمان على الثقة فى ان استغلال العمل المأجور من قبل رأس المال سوف يتواصل بالطريقة التقليدية.، للبروليتاريا من قبل البورجوازية، للبورجوازية الصغيرة من قبل البورجوازية الكبيرة. لذا فإن اى تحرك سياسي من جانب البروليتاريا، ايا ماكانت طبيعته، مالم يجرى تحت الامرة المباشرة للبورجوازية يهز هذه الثقة، ويضر بالائتمان. وتدل عبارة ” استعادة الثقة المهزوزة ” حين يتمتم بها هانسمان:

قمع اى تحرك سياسي تقوم به البروليتاريا وكل الشرائح الاجتماعية التى لاتتوافق مصالحها كلية مع مصالح الطبقة التى تعتقد انها تقف على قمة الدولة.

ولذا وضع هانسمان ” تقوية الدولة ” جنبا الى جنب مع ” استعادة الثقة المهزوزة ” ولكنه اخطأ فى طابع هذه ” الدولة “. لقد سعى لتقوية الدولة التى تخدم الائتمان والثقة البورجوازية، لكنه قوى الدولة التى تطلب الثقة وعند الضرورة تغتصب هذه الثقة بمساعدة قنبلة عنقودية، لأنه ليس لديها ائتمان. لقد اراد ان يقتصد فى نفقات الحكم البورجوازي ولكنه حمل البورجوازية اعباء الملايين الباهظة التى كلفتها عودة الحكم الاقطاعى البروسى.

لقد اخبر العمال بايجاز شديد ان لديه علاجا ممتازا لهم. ولكن قبل ان يستطيع تطبيقه لابد ان تستعاد ” الثقة المهزوزة” قبل اى شئ. وحتى تستعاد هذه الثقة على الطبقة العاملة ان تتخلى عن كل نشاط سياسي والا تتدخل فى عمل الدولة وأن تعود لعاداتها الاولى. فإذا تبعت نصيحته واستعيدت الثقة، فسوف يثبت هذ العلاج القوى الغامض فعاليته ان لم يكن لشئ فعلى الاقل لأنه لم يعد مطلوبا ولاقابلا للتحقيق، مادام المرض فى هذه الحالة هو ذاته – مناهضة القانون والنظام البورجوازى – سيكون قد قضى عليه. وماهى الحاجة لدواء حينما لايكون هناك مرض. ولكن اذا مااصر الشعب بعناد على اهدافه، حسنا جدا، عندئذ سوف ” يقوى الدولة ” الشرطة، الجيش، المحاكم، البيروقراطية وسوف يطلق كلابه عليهم، لأن ” الثقة ” قد اصبحت ” مسألة بيزنس “، و:

 

” ايها السادة، البيزنس هو البيزنس! “

ان برنامج هانسمان، رغم انه يمكن ان يبتسم بسبب ذلك، هو برنامج امين، برنامج ذى نية طيبة.

لقد اراد ان يقوى سلطة الدولة ليس فقط ضد الفوضى، اى، ضد الشعب، لقد اراد ان يقويها ضد الرجعية ايضا، اى، ضد التاج والمصالح الاقطاعية فى حالة اذا ماحاولت ان تثبت نفسها ضد حافظة نقود البورجوازية ودعاوها السياسية الاشد تواضعا اى ” الاشد جوهرية “.

لقد عبر لب تركيب حكومة الاعمال عن احتجاج ضد هذه ” الرجعية “.

لقد تمايزت عن كل الوزارات البروسية السابقة الاخرى من ناحية ان رئيس وزراءها الفعلى كان وزير المالية. لقد اخفت الدولة البروسية بعناية لقرون حقيقة ان ادارات الحرب، والشؤون الداخلية والخارجية، والكنيسة والشؤون التربوية وحتى خزانة البيت الملكى وكذلك الايمان، والامل والاحسان تعتمد على الشؤون المالية الدنيوية الدنسة. لقد وضعت حكومة الاعمال هذه الحقيقة البورجوازية المضجرة فى اعلى عليين بوضعها السيد هانسمان على رأسها، رجل كان برنامجه الوزارى مثل برنامج معارضته يمكن تلخيصه فى كلمات:

” ايها السادة، البزنس هو البيزنس! “

لقد باتت الملكية فى بروسيا ” شأنا نقديا “.

دعونا ننتقل الان من برنامج حكومة الاعمال الى اعمالها.

لقد نفذت وعيدها بصدد ” تقوية الدولة ” ضد ” الفوضى ” اى، ضد الطبقة العاملة ومعها اقسام الطبقة الوسطى التى لم تلتزم ببرنامج السيد هانسمان. بل يمكن القول حتى بأنه بغض النظر عن زيادة الضريبة على شمندر السكر والكحوليات، كان رد الفعل هذا ضد الفوضى، اى ضد الحركة الثورية، هو العمل الجاد الوحيد لهذه الحكومة – حكومة الاعمال.

اقيمت عدة قضايا ضد الصحافة تأسيسا على القانون البروسي، وحيث لايوجد كان يكفى قانون العقوبات [4] وجرت اعتقالات كثيرة استنادا على نفس ” الاسباب الكافية ” (صيغة اورسفالد)، ادخل نظام الكونستابلات الى برلين [5] بمعدل كونستابل لكل منزلين، وجرت تدخلات بوليسية فى حرية تكوين الجمعيات، واستخدم الجنود ضد المواطنين العنيدين كمااستخدم الحرس الوطنى ضد العمال العنيدين، وتطبيق الاحكام العرفية كمصد – مازلنا نذكرهذه الاحداث الاولمبية التى قام بها هانسمان. لذا مامن حاجة لذكر تفاصيل.

وقد لخص هذا الجانب من جهود حكومة الاعمال كولفيتتر فى الكلمات الآتية:

” ان الدولة التى تريد ان تكون حرة حقا يجب ان تكون لديها قوة شرطة كبيرة حقا تمثل ذراعها التنفيذى “،

وهو ماغمغم بشأنه هانسمان فى احدى ملاحظاته العادية:

” وهذا سوف يساعد ايضا بدرجة عظيمة على استعادة الثقة وعلى احياء النشاط التجارى المهمل بالاحرى.”

ووفقا لذلك ” قوت ” حكومة الاعمال قوى الشرطة البروسية القديمة، والقضاء، والبيروقراطية، والجيش، وقد ظن هانسمان انهم، ماداموا يتلقون رواتبهم من البورجوازية،سوف يخدمون البورجوازية ايضا. على اى حال لقد ” تقووا “.

من ناحية اخرى، لقد عبرت عن مزاج البروليتاريا والديموقراطيون البورجوازيون حادثة واحدة. فلأن بعض الرجعيين قد اساؤا معاملة بعض الديموقراطيين فى شارلوتنبرج، قصف الشعب مقر رئيس الوزراء فى برلين. وسرعان ماأصبحت حكومة الاعمال شعبية. أعد هانسمان قانونا فى اليوم التالى ضد تجمعات الشغب والاجتماعات العامة. ويريكم هذا كيف تآمر ببراعة ضد الرجعية.

وهكذا تجلى النشاط الشعبى الفعلى الملموس لحكومة الاعمال فى طابعه البوليسي. مثلت هذه الوزارة وجمعية المساومين فى عيون البروليتاريا والديموقراطيون الحضريون — التى كانت اغلبيتها ممثلة فى الوزارة، والبورجوازية، التى الفت اغلبيتها الاغلبية فى جمعية المساومين – مثلت الدولة القديمة البوليسية البيروقراطية المجددة. واضيف لهذا رفض البورجوازية، لأنها حكمت وأقامت الحرس الوطنى كجزء لايتجزأ من الشرطة.

تجلى ” انجاز احداث مارس “، كما رأها الشعب، فى ان السادة ليبراليى البورجوازية، قد اخذوا على عاتقهم ايضا مهام الشرطة. وهكذا كانت هناك قوة شرطة مزدوجة.

لم تكن اعمال حكومة الاعمال، وانما مسودات قوانينها العضوية هى التى تبين بوضوح انها ” قوت ” ال ” شرطة ” التعبير الاقصى عن الدولة القديمة وساقتها للعمل فى صالح البورجوازية فحسب.

تشكل الملكية دائما بشكل او بآخر فى القوانين التى تتعلق بالحكومة المحلية، والقضاء، والحرس الوطنى، التى اصدرتها حكومة هانسمان، الحد الفاصل بين المنطقة المشروعة وغير المشروعة. وتحتوى كل هذه القوانين على اشد التنازلات عبودية للسلطة الملكية، لأن الوزارة البورجوازية اعتقدت ان جناحى الملكية قد ثبتت وانها اصبحت حليفا لها، وكتعزية فإن صعود رأس المال فو ق العمل قد جرى تأكيده بشكل اشد قسوة.

ان قانون الحرس الوطنى الذى صادقت عليه جمعية المساومين قد انقلب ضد البورجوازية وكان عليه ان يقدم ذريعة قانونية لتجريدها من السلاح. ووفقا لرغبة صائغيه، على اى حال، كان يصبح صالحا للتطبيق فقط بعد نشر القانون فى الحكومة المحلية واصدار الدستور، اى بعد تعزيز حكم البورجوازية. قد تسهم الخبرة التى حازتها البورجوازية فى صلتها بقانون الحرس الوطنى فى تنويرها وتبين لها انه فى الوقت الحالى فان كل اعمالها التى قصد بها ان تكون موجهة ضد الشعب هى افعال وجهتها ضد نفسها فحسب. وبقدر مايتعلق الموضوع بالشعب، فقد لخصت وزارة هانسمان فى الممارسة الشرطى البروسي القديم، وفى النظرية بالتمايز العدائى البلجيكى بين البورجوازى وغير البورجوازى. [6]

والآن دعونا نتجه الى قسم آخر فى البرنامج الوزارى، الى الفوضى فى مواجهة الرجعية.

يمكن للوزارة بهذا الصدد ان تتبجح بالرغبات الورعة منها بالافعال الحقيقية.

من بين الرغبات البورجوازية الورعة قسمة وبيع الاراضى للملاك الخاصين، التخلى عن الصناعة المصرفية وتبنى المنافسة، تحويل التجارة البحرية [7] الى مؤسسة خاصة، الخ.

لقد كان من سوء حظ حكومة الاعمال ان كل هجماتها الاقتصادية ضد الحزب الاقطاعى قد جرت تحت حماية القرض الاجبارى، وبصفة عامة فان محاولاتها من اجل الاصلاح قد نظر اليها الشعب بوصفها حيل مالية فحسب لتستكمل نقص خزانة “الدولة ” القوية. وهكذا فقد نال هانسمان كراهية حزب بدون ان يكسب استحسان الآخر. ولابد من الاعتراف بانه قد غامر فقط بالهجوم على الامتيازات الاقطاعية حينما كانت امور النقود اللصيقة بوزير المالية، قد اصبحت اكثر الحاحا. بهذا المعنى الضيق فقد قال لأمراء الاقطاع:

” ايها السادة، البيزنس هو البيزنس!”

وهكذا فإن جهوده الايجابية لخدمة الطبقة الوسطى الموجهة ضد الاقطاعيين تكشف نفس العفن البوليسى مثلها فى ذلك مثل اجراءاته السلبية المصممة ل ” احياء النشاط التجارى “. لأنه فى لغة الاقتصاد السياسي تسمى الشرطة خزانة الدولة. اثارت الزيادة فى رسوم جذور البنجر والمشروبات الكحولية التى مررها هانسمان من خلال الجمعية الوطنية سخط اصحاب الاموال الذين يقفون مع الرب من اجل الملك فى سيليزيا، وبراندنبورج، وسكسونيا، وفى شرق وغرب بروسيا، الخ ولكن بينما اغضب هذا الاجراء ملاك الارض الصناعيين فى الولايات البروسية القديمة، الا انها لم تسبب تعاسة اقل وسط مقطرى الكحول من الطبقة الوسطى فى اقليم الراين، الذين ادركوا ان اوضاع المنافسة الجارية مقارنة باوضاع المنافسة فى الولايات البروسية القديمة قد اصبحت حتى غير مواتية لحد بعيد. وحتى تعم الجميع، فقد اغضبت العمال فى المقاطعات القديمة، التى عنت لهم ببساطة، ولم يكن لها الا ان تعنى، زيادة فى اسعار ضروراتهم الاولية. لذا فقد عنى هذا الاجراء فحسب تمويل خزانة ” الدولة القوية “. يكفى هذا المثل، مادام هو الاجراء الوحيد الذى اتخذ بالفعل ضد الاقطاعيين من قبل حكومة الاعمال، وهى الوثيقة الوحيدة من هذا النوع التى اصبحت قانونا.

تسببت ” وثائق ” هانسمان التى تلغى كل اعفاءات الضرائب التصاعدية والعقارية [8] وخطته حول ضريبة الدخل فى ان يهتاج منذورى ” الله، الملك والوطن ” كما لو كانت رقصة التارانتولا قد حركتهم (رقصة شعبية ايطالية – المترجم). وقد اتهموه بأنه شيوعى وحتى اليوم فإن فارس الصليب البروسى (تلميح الى جريدة الصليب – المحرر.) تصلب نفسها ثلالث مرات عند سماعها اسم هانسمان. ويبدو لها هذا الاسم كإسم فرا ديافالو. [9] ان الغاء كل الاعفاءات من الضرائب العقارية، وهوالاجراء الوحيد الهام الذى ادخله وزير بروسى خلال الحكم المجيد لجمعية المساومين اخفق بسب ضيق الافق المبدئى لليسار. وقد برر هانسمان نفسه ضيق الافق هذا. هل كان على اليسار ان يقدم موارد مالية جديدة لوزارة ” الدولة القوية ” قبل اكتمال اعلان الدستور؟

كانت الوزارة البورجوازية سيئة الحظ بامتياز لحد ان تنتهك اشد اجراءاتها راديكالية من قبل الاعضاء الراديكاليين فى جمعية المساومين. وقد كان عقيما للغاية ان يتمخض كل جهادها المقدس ضد الاقطاع عن زيادة فى الضرائب فحسب وهى ضرائب كانت مكروهة من كل الطبقات، وقد ادت كل فطنتها المالية الى اللجوء لقرض اجبارى: اجراءان، هما اللذان قدما فى النهاية اعانات مالية لحملة الثورة المضادة ضد البورجوازية. ولكن كان الاقطاعيون الارستقراطيين مقتنعين بمقاصد الوزارة البورجوازية ” الشائنة “. وهكذا فحتى صراع البورجوازية البروسية المالى ضد الاقطاع اثبت فحسب انه بسبب عدم شعبيته وعجزه فقد كان قادرا بسلاسة على جمع النقود ضد نفسه وياايها السادة، البيزنس هو البيزنس!

وبالضبط كما نجحت الوزارة البورجوازية بنفس القدر فى استفزاز البروليتاريا الحضرية، وديموقراطيى الطبقة الوسطى ونبلاء الاقطاع، فقد تمكنت من ان تعزل وتثير عداوة حتى الفلاحين الذين يضطهدهم الاقطاع، وفى هذا فقد دعمتها بشغف جمعية المساومين. ولابد من ان نتذكر بعد كل شئ انه خلا ل نصف الفترة التى وجدت فيها الجمعية فقد مثلتها وزارة هانسمان على نحو مناسب وان شهداء البورجوازية اليوم كانوا بالامس حاملى ذيول هانسمان.

وخلال حكم هانسمان قدم باتيو وثيقة لالغاء الالتزامات الاقطاعية (انظر النقد الذى وجهناه لها قبلا). لقد مثلت اشد التلفيقات بؤسا لرغبة بورجوازية عاجزة فى الغاء الامتيازات الاقطاعية، تلك ” الاوضاع التى لا تتلائم مع الدستور الجديد “، فضلا عن خوف البورجوازية من اى انتهاك ثورى لأى شكل من اشكال الملكية ايا كان. اعمت الانانية البائسة الجبانة ضيقة الافق البورجوازية البروسية الى الحد الذى نفرت فيه الفلاحين، وقد كانوا الحليف الذى مست حاجتها اليه. قرر المندوب هانو فى 3 يونيو.

” توقف على الفور كل الاجراءات المعلقة التى تخص علاقات المالك بالفلاح وتبادل الخدمات حسب طلب اى من الطرفين حتى اعلان القانون الجديد القائم على مبادئ عادلة “.

ليس قبل نهاية سبتمبر، اى اربعة شهور تالية، فى ظل وزارة بفويل، اصدرت جمعية المساومين وثيقة مخصصة لوقف الاجراءات المعلقة بين ملاك الارض والفلاحين، بعد رفض كل التعديلات الليبرالية وابقاء ” التحفظ على التأسيس المؤقت للالتزامات الجارية ” و”تحصيل الالتزامات والاقساط موضع التنازع “.

وفى اغسطس، ان لم اكن مخطئا، اعلنت جمعية المساومين ان قرار ننستيل بأن ” لابد من الغاء السخرة على الفور ” لم يكن امرا عاجلا. هل كان يمكن ان نتوقع ان يعتبرها الفلاحون امرا عاجلا لحد حمل الهراوات ضد جمعية المساومين هذه، التى القت بهم وراء ظهرها فعادوا لاوضاع اسوأ من الاوضاع التى حققوها بالفعل بعد احداث مارس؟
لقد بدأت البورجوازية الفرنسية بتحرير الفلاحين. ومع الفلاحين استطاعت ان تقهر اوروبا. لقد كانت البورجوازية البروسية مشغولة لاقصى حد بأشد مصالحها محدودية ومباشرة حتى انها فقدت هذا الحليف بغباء وحولته الى اداة فى يد الاقطاعيين المناهضين للثورة.

التاريخ الرسمى لتحلل وزارة الطبقة الوسطى معروف جيدا.

كانت ” الدولة ” قد ” تقوت ” تحت ذراعها الحامى لحد بعيد و ضعفت الطاقة الشعبية حتى انه فى 15 يوليو كان كولفيتتر وهانسمان مضطرين لارسال تحذير ضد المكائد الرجعية للموظفين المدنيين، وخاصة رؤساء المقاطعات الريفية، ولكل حكام المقاطعات فى المملكة، وفيما بعد ل” جمعية حماية النبلاء وكبار ملاك الارض ” بشأن امتيازاتهم [10] التى التقت فى برلين بموازاة جمعية المساومين، وفى النهاية، تشكلت معارضة لما يسمى الجمعية الوطنية فى برلين، من “دايت من الجماعات المحلية من اجل حماية حقوق ملكية ملاك الارض “، ودعيت هيئة تعود للقرون الوسطى، للانعقاد فى لوساتيا العليا فى 4 سبتمبر.

ان الطاقة التى استهلكتها الحكومة ومايسمى الجمعية الوطنية ضد هذه الاعراض المتزايدة المناهضة للثورة والمنذرة بالخطر وجدت تعبيرها فى ملامات الصحف. لقد استبقت الوزارة البورجوازية الحراب، والطلقات، والسجون والكونستابلات حصريا من اجل الشعب ” حتى تستعيد الثقة المهزوزة وتحيى النشاط التجارى “.

ايقظت احداث شفيدنتز [11] حيث قامت القوات فى الحقيقة بقتل البورجوازية فى شخص الحرس الوطنى، الجمعية الوطنية من سباتها فى النهاية. وفى 9 اغسطس حفزت نفسها للقيام بعمل بطولى، ذلك الذى يتعلق باصدار امر لجيش شتين – شولز، [12] الذى كانت اشد اجراءاته للقهر عنفا مناشدة ذوق الضباط البروسيين. اجراء قهرى بالفعل! الا يمنع الشرف الملكى الضباط من ان يتبعوا املاءات الشرف البورجوازى؟

فى 7 سبتمبر، عقب شهر من اليوم الذى اصدرت فيه جمعية المساومين الامر لجيش شتين – شولز، قررت مرة اخرى ان قرارها كان قرارا حقيقيا ولابد ان ينفذه الوزراء. رفض هانسمان ان يفعل هذا واستقال فى 11 سبتمبر، بعد ان عين نفسه مديرا لاحد البنوك براتب سنوى قدره 6000 تالر، لأنه – ايها السادة البيزنس هو البزنس.

واخيرا فى 25 سبتمبر، وافقت جمعية المساومين بامتنان على صيغة بفويل المخففة تماما بقبول امر جيش شتين – شولز، حيث كان فى هذا الوقت يوجد امر جيش رانجل الموازى [13] وقد تركز العدد الاكبرمن القوات حول برلين وقد تحول ذلك لمزحة رديئة.

ان مجرد نظرة على هذه التواريخ وعلى تاريخ امر جيش شتين – شولز يكفى لتبيان ان امر الجيش لم يكن السبب الحقيقى لاستقالة هانسمان. وانما تتعلق على الاغلب بأن هانسمان، الذى لم يخجل من الاعتراف بالثورة، كان عليه ان يخجل من هذا الاعلان الصحفى؟ هل علينا ان نصدق ان هانسمان، الذى كلما انزلق المنصب الوزارى من بين اصابعه، دائما ماالتقطه، قد تركه فى نوبة سخط ورع، على الطاولات الوزارية حتى يختطف؟ لا، ان رجلنا هانسمان ليس متعصبا. لقد خدع ببساطة بالضبط مثلما كان بصفة عامة ممثل البورجوازية المخدوعة. لقد اوحى له ان يفهم انه لن يستغنى عنه من قبل التاج فى كل الاحوال. لقد جعلوه يفقد آخر آثار شعبيته حتى يمكن للتاج ان يضحى به على مذبح حقد كبار ملاك الاراضى فى البلاد ويتخلص من وصاية الطبقة الوسطى. اضف الى ذلك فإن خطة الحملة التى اتفق عليها مع روسيا والنمسا تطلبت ان يرأس الوزارة جنرال تعينه الحاشية من خارج جمعية المساومين. لقد ” تقوت ” الدولة القديمة بشكل كاف تحت حكم الوزارة البورجوازية حتى تضارب على هذا الانقلاب.

كان بفويل غلطة. لقد جعل انتصار الكرواتيين فى فيينا حتى براندنبورج اداة نافعة.

كانت جمعية المساومين قد تشتت فى ظل وزارة براندنبورج، وخدعت، وسخر منها، واذلت وطوردت، وبقى الشعب فى اللحظة الحاسمة لامباليا. لقد كانت هزيمة الجمعية هى هزيمة البورجوازية البروسية، هزيمة الدستوريين، ومن ثم انتصارا للحزب الديموقراطى، ايا ماكان الثمن الفادح الذى دفعه مقابل هذا الانتصار.

والدستور المفروض؟ 

لقد قيل ذات مرة انه لن يسمح ابدا ل ” قصاصة من الورق ” ان تقف بين الملك وشعبه. [14] ويقال الان، سوف تكون هناك قصاصة من الورق فحسب بين الملك وشعبه. الدستور الحقيقى فى بروسيا هو حالة الحصار. الدستور الفرنسى المفروض به مادة واحدة وهى الرابعة عشر التى ابطلتها. [15] كل مادة من الدستور البروسى المفروض هى المادة 14.

يفرض التاج بواسطة هذا الدستور امتيازات جديدة، اى على نفسه.

انه يسمح لنفسه بحل المجلسين لامد غير محدود. ويسمح للوزراء فى غضون ذلك باصدار اى قانون مرغوب فيه (حتى تلك التى تؤثر على الملكية وماشابهها) وهو يتيح للمندوبين ان يتهموا الوزراء بسبب هذه الافعال، ولكن فى ظل خطر ان يصنفوا فى وجود قانون الاحكام العرفية، بانهم ” اعداء داخليين “. واخيرا يسمح لنفسه، اذا ماصعدت حصة الثورة المضادة فى الربيع، ان يستبدل ” قصاصة الورق ” الغامضة هذه بالميثاق الاعظم الجرمانى المسيحى النابع عضويا من تمايزات طوائف القرون الوسطى، او ان يلقى باللعبة الدستورية بكاملها. وحتى فى هذه الحالة فسوف تطوى البورجوازية المحافظة يدها وتصلى:

” الرب اعطى، والرب اخذ، تبارك اسم الرب! “

يظهر تاريخ الطبقة الوسطى البروسية، وتاريخ الطبقة الوسطى الالمانية بصفة عامة بين مارس وديسمبر ان ثورة خالصة للطبقة الوسطى وتأسيس حكم بورجوازى فى شكل ملكية دستورية هو امر مستحيل فى المانيا، والبديلان الوحيدان اما ثورة مضادة اقطاعية مطلقة او ثورة جمهورية اجتماعية.

سوف يميل القسم الحى من البورجوازية لأن يستيقظ مرة اخرى من لامبالاته – وهذا مضمون قبل اى شئ بالوثيقة المذهلة التى سوف تقدمها الثورة المضادة بعد الربيع، وكما يقول رجلنا هانسمان متفكرا:

ايها السادة، البيزنس هو البيزنس!



الهوامش

[1]. مقتطف من خطاب هانسمان الذى القاه فى الدايت الاقليمى المتحد الاول بتاريخ 8 يونيو 1847.

[2]. يشير ماركس هنا الى رواية هيلدربراندت kuno von schreckenstein oder die weissagende traum gestalt.

[3]. كانت الالوان البروسية هى الابيض والاسود.

[4]. قانون العقوبات – وهو قانون العقوبات الذى صودق عليه فى فرنسا عام 1810، وقد ادخل فى الاقسام الغربية والجنوبية الغربية من المانيا التى احتلها نابليون. وقد ظل معمولا به فى مقاطعة الراين حتى بعد ادماجها فى بروسيا فى 1815.

[5]. تشكلت الى جانب الشرطة العادية، هيئة من المدنيين المسلحين فى صيف 1848 لاستخدامها ضد الاجتماعات الشعبية والمظاهرات ولمهام التجسس. واسمى رجال الشرطة ممن ارتدوا ملابس فاتحة الكونستبلات قياسا على الكونستبلات الخصوصيين فى بريطانيا، الذين لعبوا دورا هاما فى فض المظاهرة الشارتية التى جرت فى 10 ابريل، 1848.

[6]. جرت المصادقة على الدستور البورجوازى – الارستقراطى البلجيكى فى 1831 بعد انتصار الثورة البورجوازية فى 1830 وقد حدد نصابا للملكية حرم جزءا كبيرا من السكان من حق الاقتراع العام.

[7]. اختصار لاسم شركة التجارة البحرية البروسية وقد تأسست كبنك تجارى فى 1772 وتمتعت بعدد من امتيازات الدولة الهامة. وقد منحت قروضا كبيرة للحكومة وفى الواقع فقد عملت كمصرفى. وقد اصبحت فى عام 1820 بنك الدولة البروسى.

[8]. وثيقة تلغى الاعفاء من مدفوعات الضرائب التصاعدية بالنسبة للارستقراطية، والضباط، المعلمون والكهنة وقد سلمها هانسمان للجمعية الوطنية البروسية فى 12 يوليو 1848. ووضعت على الجدول وثيقة تلغى الاعفاء عن الضريبة العقارية قدمها هانسمان فى 21 يوليو 1848.

[9]. فرا ديافولو -اسم مستعار لميشيل بيتزا، رجل العصابات الايطالى.

[10]. اشارة الى الجمعية العامة لحماية المصالح المادية لكل طبقات الشعب البروسى وقداجتمعت فى برلين فى 18 اغسطس. والجمعية التى ضمت كبار ملاك الارض بصفة اساسية كانت قد دعتها للانعقاد جمعية حماية الملكية وترويج رفاهية كل طبقات الشعب. وقد تغير اسم الجمعية بناء على قرار الجمعية العامة الى: جمعية حماية مصالح ملاك الارض.

[11]. هوجم الحرس الوطنى فى 31 يوليو 1848 من قبل احدى القوات فى شفيدنيتز وهى مدينة سيليزية عسكرية، وقد قتل 14 فى الهجوم شخصا.

[12]. فى 9 اغسطس 1848، قبلت الجمعية الوطنية البروسية مقترحا من المندوب شتين تضمن طلبا لوزير الحربية بأن يصدر امرا عسكريا مفاده انه يتوقع من الضباط ان يظهروا مساندتهم للنظام الدستورى وان هؤلاء الذين يتبنون وجهات نظر سياسية خاصة مغايرة عليهم ان يتركوا الجيش بشرف. لم يصدر شريكنشتين وزير الحربية مثل هذا القرار، قيد شتين طلبه فى الجدول مرة اخرى، وقد جرى تمريره من الجمعية الوطنية فى 7 سبتمبر وبناء على ذلك استقالت وزارة اورسفالد – هانسمان. وفى ظل وزارة بفويل التالية صدر المرسوم فى 26 سبتمبر 1848 وان فى شكل ضعيف لحد بعيد حتى بات حبرا على ورق.

[13]. اصدر الجنرال رانجل امرا عسكريا فى 17 سبتمبر 1848، اكد فيه على ان مهمته هى الحفاظ على ” النظام العام ” وهدد “هؤلاء الذين يحاولون تحريض الشعب على ارتكاب افعال غير قانونية ” ودعا الجنود والضباط لأن يلتفوا حول ملكهم.

[14]. صدر بيان بهذا الغرض من فردريك ويليام الرابع فى 11 ابريل 1847، عندما افتتح الدايت الاقليمى المتحد الاول.

[15]. تنص المادة 14 من الدستور الذى اصدره لويس الثامن عشر فى 1814 على ان: ” الملك هو رئيس الدولة… وهو يصدر المراسيم والاوامر الضرورية لانفاذ القانون حفاظا على امن الدولة. “


أرشيف ماركس وانجلز