فلاديمير لينين

حول مقال خطان فى الثورة


كتب لينين هذا المقال فى جريدة سوتسيال ديموقراط العدد 48 ، الصادر فى 20 نوفمبر ، 1915 . ويدور الجدال فيه بين بليخانوف ولينين حول طبيعة الثورة المقبلة واى خط يتعين على الحزب الثورى انتهاجه فيها . ويستمد بليخانوف تصوراته من ” المفاهيم الاستراتيجية ” بينما يستمدها لينين من واقع تحليل القوى الموجودة وطبيعة تحالفاتها وقد اقترب فى هذا المقال من فكرة استمرارية الثورة وتواصلها ، وان انتقد تروتسكى لانكاره الطاقة الثورية للفلاحين وضرورة الارتفاع بهم للمهام الثورية .

ترجمة: ترجمة: سعيد العليمي
النسخ والتحرير الرقمي: علي بطحة (تموز 2024)


يحاول السيد بليخانوف فى جريدة بريزييف [1] ان يعرض المشكلة النظرية الاساسية للثورة الوشيكة فى روسيا . وهو يقتبس مقطعا من ماركس مفاده ان ثورة 1789 قد اتخذت مسارا صاعدا ، بينما اتبعت ثورة 1848 مسارا هابطا . فقد انتقلت السلطة تدريجيا فى الحالة الاولى من الحزب المعتدل الى الحزب الاشد راديكالية – الدستوريون ، والجيروند ، واليعاقبة . وحدث العكس فى الحالة الثانية – البروليتاريا ، البورجوازيون الصغار الديموقراطيون ، الجمهوريون البورجوازيون ، نابليون الثالث . ويستنتج مؤلفنا ” بأنه من المرغوب فيه ان توجه الثورة الروسية وفق خط صاعد ” ، اى ان السلطة يجب ان تنتقل اولا الى الكاديت والاكتوبريين ، ثم الى الترودوفيك ، ثم الى الاشتراكيين . والنتيجة التى يمكن استخلاصها من هذا التعليل ، بالطبع ، هى ان الجناح اليسارى فى روسيا غير حكيم لأنه لايرغب فى تدعيم الكاديت ويضعف الثقة فيهم قبل الاوان .

ان تعليل السيد بليخانوف ” النظرى ” هو مثال آخر على استبدال الماركسية بالليبرالية . ويختزل السيد بليخانوف الامر لمسألة مااذا كانت ” المفاهيم الاستراتيجية ” للعناصر المتقدمة “صحيحة ” ام خاطئة . كان تعليل ماركس مختلفا . فقد لاحظ حقيقة : ان الثورة قد اندلعت بشكل مختلف فى كل مرة ، ومع ذلك فهو لم يبحث عن تفسير ذلك فى الاختلاف بين ” المفاهيم الاستراتيجية ” . من وجهة النظر الماركسية من السخف البحث عنه فى المفاهيم . ولابد من البحث عنه فى التحالفات الطبقية . وقد كتب ماركس نفسه انه فى 1789 اتحدت البورجوازية مع الفلاحين وان ماحدث فى 1848 هو ان البورجوازية الصغيرة الديموقراطية قد خانت البروليتاريا . يعرف السيد بليخانوف رأى ماركس حول المسألة ، ولكنه يتجاهله ، لأنه يريد ان يصور ماركس وكأنه لايختلف عن ستروفه . فى فرنسا 1789 ، كانت المسألة هى الاطاحة بطبقة النبلاء والحكم المطلق .اعتقدت البورجوازية حسب مستوى التطور الاقتصادى آنذاك فى انسجام المصالح ، ولم تكن لديها مخاوف بشأن استقرار حكمها وكانت مستعدة للدخول فى تحالف مع الفلاحين . وقد ضمن هذا التحالف النصر التام للثورة . فى 1848 كانت المسألة هى اطاحة البروليتاريا بالبورجوازية . ولم تستطع البروليتاريا ان تكسب لصفها البورجوازية الصغيرة ، وقد ادت خيانتها لهزيمة الثورة . كان الخط الصاعد فى 1789 شكلا للثورة هزم فيه الشعب الحكم المطلق . وكان الخط الهابط فى 1848 شكلا للثورة ادت فيه خيانة جمهور البورجوازية الصغيرة للبروليتاريا الى هزيمة الثورة .

يستبدل السيد بليخانوف الماركسية بالمادية المبتذلة حينما يختزل المسألة فى كونها تتعلق ب ” المفاهيم الاستراتيجية ” وليس بالتحالفات الطبقية .
ان تجربة ثورة 1905 والفترة اللاحقة للثورة المضادة فى روسيا تعلمنا ان هناك خطان للثورة يمكن ملاحظتهما فى بلادنا ، بمعنى انه كان هناك صراع بين طبقتين – البروليتاريا والبورجوازية الليبرالية – حول قيادة الجماهير . تقدمت البروليتاريا بطريقة ثورية ، وكانت تقود الطبقة الفلاحية الديموقراطية نحو الاطاحة بالملكية وطبقة ملاك الارض . وقد كشفت طبقة الفلاحين عن ميول ثورية بالمعنى الديموقراطى على نطاق جماهيرى من خلال كل الاحداث السياسية العظمى : انتفاضة الفلاحين فى 1905 – 6 ، الاضطراب فى الجيش فى نفس السنوات ، ” اتحاد الفلاحين ” عام 1905 ، ومجلسي الدوما الاولين حيث وقف الفلاحون الترودوفيك ليس فقط ” على يسار الكاديت ” وانما كانوا ايضا اكثر ثورية من مثقفى الاشتراكيين الثوريين والترودوفيك . لسوء الحظ ، هذا غالبا ماينسي ، لكنه حقيقة واقعة . وفى كل من الدوما الثالث والرابع اظهر الترودوفيك رغم ضعفهم ان جمهور الفلاحين كان معارضا للملاك العقاريين .

الخط الاول للثورة البورجوازية الديموقراطية الروسية كما استنبط من الوقائع لامن الهذر ” الاستراتيجى ” قد اتسم بنضال البروليتاريا الحازم ، الذى اتبعه الفلاحوان بغير حزم . هاتان الطبقتان قاتلتا الملكية وكبار ملاك الارض . ادى الافتقار للقوة والحزم عند هاتين الطبقتين الى الهزيمة ( رغم ان خرقا جزئيا قد حدث لصرح الاوتوقراطية ) .
تمثل سلوك البورجوازية الليبرالية فى الخط الثانى . لقد اكدنا نحن البلاشفة دائما ، وخاصة منذ ربيع 1906 ان هذا الخط كان يمثله الكاديت والاكتوبريون كقوة مفردة . و قد برهنت حقبة 1905 – 1915 على صواب وجهة نظرنا . فى اللحظات الفاصلة فى النضال ، خان الكاديت مع الاوكتوبريين الديموقراطية وهبوا لمساعدة القيصر وملاك الارض . لقد اتسم الخط ” الليبرالى ” فى الثورة الروسية ب ” النزعة السلمية ” والطابع المتشظى للنضال الجماهيرى حتى تتمكن البورجوازية من ان تعقد سلما مع الملكية .لقد جعلت الخلفية الدولية للثورة الروسية وقوة النضال البروليتارى سلوك الليبراليين هذا حتميا .
لقد ساعد البلاشفة البروليتاريا بشكل واع على ان تتبع الخط الاول ، ان تقاتل بشجاعة عالية وأن تقود الفلاحين . ولقد انزلق المناشفة دوما نحو الخط الثانى ، لقد حطوا من معنويات البروليتاريا بتكييف حركتها لليبراليين – بدءا من الدعوة لدخول دوما بوليجين ( اغسطس 1905 ) الى وزارة الكاديت فى 1906 والكتلة مع الكاديت ضد الديموقراطية فى 1907 . ( من وجهة نظر السيد بليخانوف سوف نلاحظ فى جملة اعتراضية ان ” المفاهيم الاستراتيجية الصائبة ” لدى الكاديت والمناشفة قد عانت من هزيمة فى هذا الوقت فلم حدث هذا ؟ لماذا لم تعر الجماهير التفاتا للاستشارات الحكيمة للسيد بليخانوف والكاديت ، التى نشرت على نحو اكثر كثافة بمئات المرات من نصيحة البلاشفة ؟ )
تجلى هذان الاتجاهان فقط – البلاشفة والمناشفة – فى سياسات الجماهير فى 1904 – 1908 ولاحقا ، فى 1908 – 1914 . لماذا كان الامر على هذا النحو ؟ لأن هذين الاتجاهين فقط كانت لهما جذور طبقية ثابتة – الاول فى البروليتاريا والثانى فى البورجوازية الليبرالية .
واليوم نحن نخطو مرة اخرى فى اتجاه الثورة . والكل يرى هذا . يقول خفوستوف نفسه ان مزاج الفلاحين يذكرنا بمزاج 1905 – 1906 . وهانحن نرى مرة اخرى نفس الخطين فى الثورة ، نفس التحالف الطبقى ، وقد تعدل فقط بسبب الوضع الدولى . فى عام 1905 دعمت البورجوازية الاوروبية بكاملها القيصرية وساعدتها اما بألآف الملايين ( مثل الفرنسيين ) او بتدريب جيش مضاد للثورة ( مثل الالمان ) . اندلعت الحرب الاوروبية عام 1914 . تغلبت البورجوازية على البروليتاريا فى كل مكان لوهلة ، وجرفتهم فى الدائرة المضطربة للنزعة القومية والشوفينية . فى روسيا وحتى الآن تشكل جماهير البورجوازية الصغيرة من الشعب ، وبصفة اولية الفلاحين ، اغلب السكان . وهم مضطهدون اولا وقبل كل شئ من قبل ملاك الارض . من الناحية السياسية هناك قسم من الفلاحين نائم ، وقسم يتذبذب بين الشوفينية ( “هزيمة المانيا ” ، ” الدفاع عن الوطن الام ” ) والروح الثورية . ان الناطقين السياسيين باسم هذه الجماهير – والمعبرين عن ترددها – هم من ناحية ، النارودنيون ( الترودوفيك والاشتراكيين الثوريين ) ومن ناحية اخرى الاشتراكيون الديموقراطيون الانتهازيون ( ناشه ديلو ، بليخانوف ، مجموعة تشيخيدزه ، اللجنة التنظيمية ) ، الذين تبعوا منذ عام 1910 بتصميم طريق السياسة العمالية الليبرالية ، وفى عام 1915 حققوا شوفينيية بوتريسوف الاشتراكية ، شيريفانين ، ليفتسكى ، وماسلوف ، او طالبوا ب ” الوحدة ” معهم .

تشير حالة الامور هذه بامتيازالى مهمة البروليتاريا . والمهمة هى شن نضال ثورى شجاع بدرجة رفيعة ضد الملكية ( مستخدمين شعارات مؤتمر يناير عام 1912 ” الاعمدة الثلاثة ” ) ، نضال يكتسح فى طريقه عند مستهله الجماهير الديموقراطية ، اى ، الفلاحين بصفة اساسية . وفى نفس الوقت ، يتعين على البروليتاريا ان تشن نضالا لارحمة فيه ضد النزعة الشوفينية ، نضالا بالتحالف مع البروليتاريا الاوروبية من اجل الثورة الاشتراكية فى اوروبا . ان تذبذب البورجوازية الصغيرة ليس امرا عارضا ، انه امر حتمى ، لأنه ينبع منطقيا من موقفهم الطبقى . لقد قوت ازمة الحرب العناصر الاقتصادية والسياسية التى تدفع البورجوازية الصغيرة خاصة الفلاحين ، الى اليسار . وهنا يكمن الاساس الموضوعى لامكانية انتصار الثورة الديموقراطية التام فى روسيا . ليست بنا حاجة هنا لأن نثبت ان الشروط الموضوعية فى اوروبا الغربية ناضجة للثورة الاشتراكية ، وقد كان هذا امرا معترفا به قبل الحرب من كل الاشتراكيين ذوى النفوذ فى كل الاقطار المتقدمة .
توضيح مسألة التحالف الطبقى فى الثورة الوشيكة هو المهمة الرئيسية للحزب الثورى . وقد تهربت اللجنة التنظيمية من هذه المهمة ، التى تبقى داخل روسيا حليفا مخلصا لجريدة ناشه ديلو ، وتهذى فى الخارج بجمل ” يسارية ” . وقد جرى تناول هذا الموضوع بشكل خاطئ فى جريدة ناشه سلوفا من قبل تروتسكى ، الذى يكرر نظرية 1905 ” الاصلية ” ويرفض ان يتفكر فى سبب تجاوز الحياة نظريته الفخمة فى مجرى عشر سنوات.

لقد استعارت نظرية تروتسكى الاصلية من البلاشفة الدعوة لنضال بروليتارى ثورى حازم من اجل استيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية ، بينما استعارت من المناشفة ” انكار ” دور الفلاحين . لقد اكد ان الفلاحين ، المنقسمون فئويا ، قد اصبحوا متمايزين ، وقد تضاءل دورهم الثورى اكثر فاكثر ، فى روسيا الثورة ” القومية ” مستحيلة ، يقول تروتسكى ” نحن نعيش فى عصر الامبريالية ” ” ولاتعارض الامبريالية الامة البورجوازية بالنظام القديم ، وانما البروليتاريا بالامة البورجوازية ” .
هنا لدينا مثل مسلى عن اللعب بكلمة ” امبريالية ” . اذا كانت البروليتاريا تقف فى روسيا معارضة بالفعل ل ” الامة البورجوازية ” ، اذن فإن روسيا تواجه ثورة اشتراكية (!) ، و يكون شعار ” صادروا الملكية العقارية ” ( الذى كرره تروتسكى فى 1915 فى اعقاب مؤتمر يناير عام 1912 ) غير صائب ، ففى هذه الحالة ينبغى الا نتحدث عن حكومة “عمال ثورية ” وانما عن حكومة “عمال اشتراكية ” ! ان المدى الذى يذهب اليه تفكير تروتسكى المضطرب واضح من جملته بأنه من خلال تصميمها فإن البروليتاريا سوف تجذب ” الجماهير الشعبية غير البروليتارية ” كذلك ( عدد 217 ) ! لم يدرك تروتسكى بعد انه اذا اقنعت البروليتاريا الجماهير غير البروليتارية ان تصادر الملكية العقارية وان تطيح بالملكية ، فإن ذلك سيكون ذروة ” الثورة القومية البورجوازية ” فى روسيا ، وسوف تكون ديكتاتورية ديموقراطية ثورية للعمال والفلاحين !
ان عقدا كاملا – العقد العظيم من 1905 – 1915 قد كشف عن وجود خطين اثنين فقط فى الثورة الروسية . والتمايز فى اوساط الفلاحين قد عزز الصراع الطبقى بينهم ، وقد ايقظ العديد من العناصر التى كانت خامدة حتى الآن . لقد قرب بين البروليتاريا الريفية والبروليتاريا المدينية ( وقد اصر البلاشفة اعتبارا من عام 1906 على انه ينبغى ان ينظم الاولين بشكل منفصل ، وقد ضمنوا هذا المطلب فى قرار مؤتمر المناشفة فى ستوكهلم ) . على اية حال ، ان العداء بين الفلاحين ، من ناحية ، وانصار ماركوف ، وآل رومانوف وخفوستوف ، من ناحية اخرى ، قد بات اقوى واشد حدة . وهذه حقيقة واضحة ولايمكن حتى لألاف الجمل المعدودة فى مقالات تروتسكى فى باريس ان ” تدحضها ” . وفى الواقع فإن تروتسكى يساعد سياسيى العمل الليبرالى فى روسيا ، الذين يفهمون ب ” انكار ” دور الفلاحين رفضا لرفع الفلاحين لمستوى الثورة .
هذه هى النقطة الحاسمة فى الموضوع اليوم . البروليتاريا تقاتل وسوف تقاتل ببسالة ، للاستيلاء على السلطة ، من اجل الجمهورية ، من اجل مصادرة الارض ، اى ، من اجل ان تكسب الفلاحين الى جانبها ، وان توظف طاقتهم الثورية تماما ، وان تجعل ” الجماهير غير البروليتارية ” تشترك فى تحرير روسيا البورجوازية من ” الامبريالية ” الاقطاعية – العسكرية ( القيصرية ) . سوف توظف البروليتاريا على الفور عملية تخليص روسيا من القيصرية وحكم ملاك الارض ، لابمساعدة الفلاحين الاغنياء فى صراعهم ضد العمال الريفيين ، وانما من اجل انجاز الثورة الاشتراكية بالتحالف مع بروليتاريى اوروبا .

 


الهوامش

[1] بريزيف ( النداء ) جريدة اسبوعية كان يطبعها المناشفة والاشتراكيون الثوريون فى باريس ، من اكتوبر 1915 – الى مارس 1917 . والاشارة تخص مقالة بليخانوف ” خطان فى الثورة ” ، وقد طبع فى تلك الجريدة فى 17 اكتوبر 1915.

*المصدر : الاعمال الكاملة ، المجلد 21 ، ص ص 415 – 420 ، دار التقدم ، موسكو ، 1974 .

 


أرشيف فلاديمير لينين