فلاديمير لينين

تطوّر الرأسمالية في روسيا

(في عملية تكون سوق داخلية للصناعة الكبيرة)

الفصل الخامس

الأطوار الأولى للرأسمالية في الصناعة


ننتقل الآن من اللزراعة إلى الصناعة. والمهمة التي تواجهنا هنا ايضا هي نفسها التي واجهتنا في الزراعة: ينبغي تحليل الاشكال الصناعية في روسيا «قبل الاصلاح»، اي دراسة النظام الراهن للعلاقات الاجتماعية والاقتصادية في الصناعة اليدوية (المانيفاتورة) ومميزات تطوره. فلنبدأ بأبسط اشكال الصناعة وأكثرها بدائية، ولنتتبع تطوره.

1-الصناعة المنزلية والحرَف

الصناعة المنزلية هي التي تقوم على معالجة المواد الخام في منزل المنتج (الاسرة الفلاحية). والصناعات المنزلية هي شرط ضروري من شروط الاقتصاد الطبيعي، وفي معظم الاحيان تستمر بقايا هذه الصناعات حيثما يوجد فلاحون صغار. لذا، فمن الطبيعي أن نلقي في الادبيات الاقتصادية الروسية اشارات متكررة إلى هذا النمط من الانتاج الصناعي (الانتاج المنزلي لمواد مصنوعة من الكتَّان، و«الخيش»، والخشب، الخ، للاستهلاك المنزلي نفسه). على أننا نادرا ما نلقي اليوم صناعة منزلية على نطاق واسع، اللهم إلا في بعض المناطق النائية، وكانت سيبيريا احداها حتى الفترة الاخيرة. ان الصناعة، بما هي مهنة، لم توجد بعد: انما هي لا تزال هنا مرتبطة عضويا بالزراعة، تكمل الواحدة منهما الاخرى.

وأول شكل من اشكال الصناعة حقق الانفصال عن الزراعة البطريركية هو الانتاج الحرفي، اي انتاج المواد لأمر مستهلِك معين. وقد تكون المواد الخام مُلكا للحرفي أو للمستهلك-الزبون. أما الدفع فقد يكون نقدا او عينا (أي بتوفير ايواء وإعالة الحرفي، او المكافأة بواسطة قسم من المنتوج، كما هو الحال بالنسبة إلى الطحين مثلا، الخ). وفي حين يشكل الانتاج الحرفي مقوّما أساسيا من مقومات الحياة المدينية، فانه واسع الانتشار في المناطق الريفية أيضا، كفرع انتاجي ملحق بالزراعة الفلاحية، وأن نسبة معينة من سكان الريف تتكون من الحرفيين المتخصصين العاملين في الدباغة وصنع الأحذية والخياطة والحدادة وصباغة المنسوجات البيتية ووضع اللمسات الاخيرة على الاصواف التي يصنعها الفلاحون، وطحن الحبوب، الخ (وقد ينفرد هؤلاء بالعمل الحرفي وحده أو يزاوجون بينه وبين العمل الزراعي) (…) [1]

نكتفي بهذه الملاحظات المختصرة، ذلك ان الدراسة المفصلة للإنتاج الحرفي لا تدخل في جدول اعمالنا. فهذا الشكل من الصناعة لا يحتوي على انتاج بضاعي؛ ولا يظهر هنا إلا التداول البضاعي، حيث يتلقى الحرفي المال، او حصة من الإنتاج، لقاء العمل الذي يبذله، وحيث هو يشتري المواد الخام وأدوات الانتاج. ان منتوج عمل الحرفي لا يظهر في السوق، وهو بالكاد يغادر نطاق الاقتصاد الفلاحي الطبعي [2] .

2-منتوج السلع الصغار في الصناعة.
الروح الحرفية في الصناعات الصغيرة

شاهدنا أعلاه كيف يظهر الحرفي في السوق، وان يكن لم يدخلها بعد عبر منتجاته. ومن الطبيعي، فانه ما ان يتصل بالسوق، حتى يبدأ بالإنتاج لها، اي أنه يصبح منتجا للسلع. ويتحقق هذا الانتقال بشكل تدريجي أول الأمر، فيبيع الحرفي المنتجات المتبقية لديه بحكم الصدفة، أو تلك التي ينتجها خلال وقت فراغه. ويزيد من تدريجية هذه العملية ان سوق السلع تكون ضيقة جدا أول الأمر، بحيث لا تنمو المسافة بين المنتج والمستهلك إلا بوتيرة بطيئة، وينتقل المنتوج، كما في السابق، من المنتج مباشرة إلى يد المستهلك، ويحدث ان تكون مبادلته لقاء منتوج زراعي سابقة على بيعه [3]، على ان التطور اللاحق للإنتاج السوقي يعبر عن نفسه باتساع التجارة، وظهور التجار المتخصصين، وتجار المحاصيل (السماسرة). ولا تعود سوق المواد الصناعية مقتصرة على سوق القرية، او السوق الموسمية (في البلدة)، انما تمتد لتشمل المقاطعة كلها، ثم البلد بأسره، وتصل أحيانا إلى البلدان الأخرى.

ان انتاج المنتجات الصناعية بما هي سلع هو الخطوة الاولى في انفصال الصناعة عن الزراعة، وفي قيام التبادل بينهما. على أن السيد دانيالسون، بطريقته المنمَّطة والمجردة في فهم الأمور، يكتفي بإعلان ان «انفصال الصناعة عن الزراعة» هو صفة من صفات «الرأسمالية» بشكل عام، دون أن يجشم نفسه عناء دراسة الاشكال المختلفة لعملية الانفصال هذه ولا المراحل المختلفة لتطور الرأسمالية. لذا تجب الاشارة إلى أن الانتاج السوقي على اضيق نطاق، في الصناعات الفلاحية، يبدأ بفصل الصناعة عن الزراعة، رغم انه في هذه المرحلة من التطور، لا ينفصل الصانع، في معظم الأحوال، عن المزارع. وسوف نبين لاحقا كيف تؤدي الأطوار الارقى من الرأسمالية إلى انفصال المنشآت الصناعية عن المنشآت الزراعية، وانفصال العمال الصناعيين عن المزارعين.

ان الاشكال الاولية للإنتاج السلعي تعرف درجة متدنية من المنافسة بين «الحرفيين». ولكن مع توسع السوق وشمولها لمناطق واسعة، تنمو هذه المنافسة وتزداد قوة باطراد وتبدأ بزعزعة الازدهار البطريركي للصناعي الصغير، هذا الازدهار الذي يرتكز إلى موقعه الاحتكاري. فيشعر المنتج السلعي الصغير ان مصالحه، بالمقارنة مع مصالح باقي افراد المجتمع، تتطلب التشبث بهذا الموقع الاحتكاري، ولذا فهو يخاف المنافسة، ويبذل كل مجهود، فردي أو جماعي، للجم المنافسة، ولمنع المنافسين من الدخول لمنطقته، ولتعزيز موقعه الثابت بما هو سيد صغير يملك شبكة محدودة من الزبائن (…)

ان الاقتصاديين الشعبويين لم يحاولوا طمس الحقيقة التي تؤكد ان معظم الصناع الريفيين الصغار ينتمون إلى فئة منتجي السلع وحسب، بل وصل الامر بهم حد اجتراح اسطورة فذة عن تناقض مزعوم بين التنظيم الاقتصادي للصناعات الريفية الصغيرة وبين الصناعة الكبيرة. ان تهافت هذا الرأي يتضح أيضا، بالمناسبة، من المعطيات الاحصائية اعلاه. فإذا كان الصناعي الكبير لا يوفر جهدا لتأمين موقع احتكاري لنفسه، فان الفلاح المتعاطي بـ«الحرف» هو توأمه، في المجال. والحقيقة ان البرجوازي الصغير يسعى، بموارده المتواضعة، للحفاظ على المصالح الطبقية اياها التي يسعى الصناعي الكبير إلى حمايتها عندما يضجّ مطالبا بالحماية، والمكافآت، والامتيازات والإعفاءات، الخ [4].

3-نمو الصناعات الصغيرة بعد «الاصلاح»…

ينبثق مما ورد اعلاه عدد من مميزات الانتاج الصغير تستدعي التوقف عندها. لاحظنا سابقا أن ظهور صناعة جديدة يعني وجود مسار متطور لقسمة العمل الاجتماعية. من هنا، فان هذا المسار لا بد وأن يعرفه كل مجتمع رأسمالي، بالقدر الذي يستمر فيه فلاحون وزراعة شبه طبيعية إلى هذا الحد أو ذاك، وبالقدر الذي تنجح فيه مختلف المؤسسات والتقاليد القديمة من الحيلولة دون ان تحل الصناعة الآلية الكبيرة مباشرة محل الصناعة المنزلية (بسبب ضعف وسائط النقل والمواصلات، وما شابه). ان كل خطوة في تطور الاقتصاد السوقي تؤدي بالضرورة الى انبثاق عدد متزايد أبدا من الصناع من بيين صفوف الفلاحين؛ واذا بهذه العملية كأنها تنقب ارضا جديدة، وتفتح مناطق جديدة في اجزاء البلد الاكثر تخلفا، أو فروعا جديدة في اشد الفروع الصناعية تخلفا أمام الغزو الرأسمالي الزاحف. على ان نمو الرأسمالية نفسها يظهر في سائر اجزاء البلد او في فروع صناعية أخرى بطريقة مختلفة كل الاختلاف، فلا يعبر عن نفسه بزيادة عدد المحترفات الصغيرة والعمال المنزليين المستوعبين في المعمل، بل بتناقصه. ومن الواضح ان دراسة تطور الرأسمالية في صناعة بلد معين يتطلب التمييز الحاسم بين هاتين العمليتين؛ وأما الخلط بينهما فلا يؤدي إلا غلى فوضى كاملة في المفاهيم.

في روسيا بعد الاصلاح يتجلى نمو الصناعات الصغيرة، الذي يعبر عن الخطوات الأولى لنمو الرأسمالية، بشكلين اثنين: الأول، في هجرة الصناع الصغار والحرفيين من المقاطعات الوسطى، العريقة منة حيث استقرارها السكاني، والأكثر تقدما اقتصاديا بين سائر المقاطعات، إلى الأطراف؛ والثاني، في نشوء صناعات صغيرة جديدة وفي انتشار الصناعات الناشئة سابقا بين السكان المحليين.

وما العملية الاولى إلا أحد تجليات استعمار الاطراف الذي ألمحنا إليه سابقا (الفصل الرابع). هنا نجد الفلاح-الصانع في مقاطعات نيجني-نوفغورود وفلاديمير وتفير وكالوغا وسواها، يشعر بوطأة تزايد المنافسة المرافق للنمو السكاني، ونمو الصناعة اليدوية الرأسمالية والمصانع بما تشكله من خطر على الانتاج الصغير، فيرتحل جنوبا، حيث «الحرفيون» لا زالوا قليلي العدد وحيث المداخيل مرتفعة وأكلاف المعيشة منخفضة. ويؤسس المهاجر منشأة صغيرة ترسي الاساس لصناعة فلاحية جديدة لا تلبث ان تنتشر في القرية المعنية وفي الجوار. وهكذا ساعدت المناطق الوسطى، ذات الثقافة الصناعية العريقة، على تنمية هذه الثقافة في اجزاء البلد الجديدة، حيث عملية الاستيطان لا تزال في بدايتها. وبذلك انتقلت العلاقات الرأسمالية (التي هي ايضا خاصة مميزة للصناعات الفلاحية الصغيرة) إلى كافة مناطق البلد.

لننتقل الآن إلى الوقائع المعبرة عن العملية الثانية. وسوف نرى اننا إذا كنا نسجل ظاهرة نمو المنشآت والصناعات الفلاحية الصغيرة، إلا أننا لن نعالج اشكال تنظيمها الاقتصادي. ويتضح مما سيرد ادناه ان هذه الصناعات إما أن تؤدي إلى نشوء التعاون الرأسمالي البسيط ورأس المال التجاري وإما ان تصبح جزءا مكونا من الصناعة اليدوية الرأسمالية (المانيفاتورة).

نشأت صناعة الفراء في قضاء ارزاماس من اعمال مقاطعة نيجني-نوفغورود، في بلدة أرزاماس بالذات ثم امتدت تدريجيا إلى القرى المجاورة وأخذت تغطي رقعة متوسعة باستمرار. في البدء، كان عدد صناع الفراء في القرى قليلا وكانوا يستخدمون أعدادا كبيرة من العمال، إذ كانت اليد العاملة رخيصة طالما ان الناس يؤجرون قوة عملهم في سبيل تعلم الصنعة. ولكن، ما ان يجيدونها، حتى يغادرون المنشأة الاصلية ويؤسسون منشآت صغيرة خاصة بهم، ويوسعون بذلك نطاق سيطرة رأس المال، وقد بات يهيمن الآن على عدد واسع من الصنَّاع. وجدير بالملاحظة هنا أن هذه الوفرة في العمال المأجورين في المنشآت الاولى للصناعة الناشئة وتحولهم اللاحق إلى معلمين صغار ظاهرة واسعة الانتشار، لها صفة القانون العام. ولا ريب انه من الخطل أن نستخلص من ذلك أنه «بالرغم من الاعتبارات التاريخية المختلفة.. ليست المنشآت الكبيرة هي التي تستوعب المنشآت الصغيرة، انما المنشآت الصغيرة هي التي تتحول إلى منشآت كبيرة» [5] . ان سعة حجم المنشآت الأول لا يعبر عن تمركز صناعي، وانما يجد تفسيره في عزلة هذه المنشآت وفي رغبة الفلاحين المجاورين في تعلم مهنة مفيدة. أما بالنسبة لعملية انتشار الصناعات الفلاحية من مراكزها القديمة نحو القرى المجاورة، فإنها ظاهرة نلقاها في العديد من الحالات. فمثلا، عرفت فترة «ما بعد الاصلاح» نموا ملحوظا (من حيث عدد القرى المعينة بالصناعة، وعدد الصناعيين وإجمالي الانتاج) للصناعات البالغة الأهمية التالية: صناعة الأقفال وسكاكين المائدة في بافلوفا، الدباغة وصناعة الأحذية في قرية كيمري، حياكة الشباشب الصوفية في بلدة ارزاماس وجوارها، الصناعة الحديدية في قرية بورماكينو، صناعة القبعات في قرية مولفيتينو وقضائها، صناعات الزجاج والقبعات والمخرّمات في مقاطعة موسكو، وصناعة المجوهرات في قضاء كراسنوسيلسكوي، الخ (…)

كذلك، فان احصاء «بيرم» Perm للحِرف (المبني على معطيات عن تاريخ تأسيس 8884 مؤسسة حرفية وصناعية يدوية صغيرة) يؤكد ان فترة «ما بعد الاصلاح» تتسم بنمو سريع جدا للصناعات الصغيرة. وجدير بنا أن نلقي نظرة اكثر دقة على عملية نشوء هذه الصناعات الجديدة.

لم يبدأ انتاج المنسوجات الصوفية وشبه الحريرية في مقاطعة فلاديمير إلا حديثا، في العام 1861. في البدء، كانت هذه مهنة اضافية يتعاطاها الفلاحون، لكن سرعان ما ظهر «المقاولون الفرعيون» [6] في القرى واخذوا يوزعون المغزولات Yarn. ومن أوائل «اصحاب المعامل» رجل كان يتاجر بالجريش (البرغل) الذي يشتريه بالجملة من سهوب «تامبوف» و«ساراتوف». ولكن، مع بناء سكك الحديد، تعادلت اسعار الحبوب، وتمركزت تجارتها في ايدي أصحاب الملايين، فقرر تاجرنا توظيف رأس ماله في منشأة صناعية للحياكة. فدخل للعمل في معمل، ودرس المهنة ليصبح مقاولا فرعيا. وهكذا، فان نشوء «صناعة» جديدة في تلك المحلة يعود لأن التطور الاقتصادي العام في البلد كان يخرج رأس المال من التجارة ويوجهه نحو الصناعة.

ويشير الباحث للفرع الصناعي الذي اخذناه مثالا لنا إلى أن الحالة التي يصف ليست حالة معزولة على الإطلاق: فالفلاحون الذين كانوا يحصِّلون معاشهم عن طريق الاستخدامات الخارجية «كانوا روادا في مختلف الفروع الصناعية، يعودون بمعارفهم التقنية إلى قراهم الصالية، ويشجعون قوى عاملة جديدة على اقتداء بهم وسلوك طريق الهجرة، ويطلقون العنان لمخيلة الفلاحين الاغنياء بقصصهم عن الارباح الخيالية التي توفرها الصناعة لصاحب المشغل والمقاول الفرعي. والفلاح الغني، الذي اعتاد ان يخبئ ماله في الصندوق أو استخدامه للمتاجرة بالحبوب، غالبا ما كان يستجيب لهذه الإغراءات، فيوظف أمواله في المشاريع الصناعية» (المصدر ذاته).

ان صناعة الأحذية واللَّباد في قضاء الكسندروف، التابع لمحافظة فلاديمير، نشأت في بعض الحالات على النحو التالي: بعد أن يكتشف اصحاب مشاغل الخام او المتاجر الصغيرة لتوزيع المغزولات ان الحياكة اليدوية آخذة بالتقهقر، يعمدون إلى فتح محترفات من نوع آخر، ويلجأون أحيانا إلى استخدام الحرفيين لتعلُّم الصنعة وتعليم أولادهم. وبالقدر الذي تطرد فيه الصناعة الكبيرة رأس المال الصغير من الفرع الانتاجي المعني بالأمر، يتدفق رأس المال هذا إلى فروع انتاجية اخرى ويدفعها إلى التطور في الاتجاه نفسه.

يصف الباحثون في صناعات موسكو، بطريقة بالغة التشويق والحيوية، الظروف العامة في فترة «ما بعد الاصلاح» التي استثارت نمو الصناعات الصغيرة في المناطق الريفية فنقرأ في وصف صناعات المخرّمات: «كانت ظروف معيشة الفلاح قد تدهورت كثيرا في تلك الفترة، لكننا نشهد، من جهة أخرى، ان متطلبات السكان الذين يتمتعون بظروف معيشية أفضل قد ازدادت بطريقة ملموسة». ويعتمد الكاتب على احصائيات المنطقة قيد الدرس، ليلاحظ زيادة في عدد المحرومين من ملكية الاحصنة ومن زراعة المحاصيل، جنبا إلى جنب مع زيادة في عدد الفلاحين الذين يملكون عدة احصنة كما في اجمالي عدد الماشية التي يملكها الفلاحون. وهكذا يزداد عدد المحتاجين الى «مصادر دخل خارجية» والباحثين عن عمل صناعي من جهة، فيما تصيب الثروة أقلية من الاسر الميسورة التي راكمت «المدخرات»، وتمكنت من «استئجار عامل أو اثنين، أو من توزيع أعمال منزلية على الفلاحين الفقراء». ويستطرد الكاتب شارحا: (طبعا، لسنا نعالج هنا حالات انبثاق الافراد المعروفين بالكولاكيين او «مصاصي الدماء»، من بين هذه الأسر، انما نكتفي بدراسة ظواهر عادية جدا بين الفلاحين).

وهكذا نجد ان الباحثين يشيرون إلى العلاقة بين تمايز الفلاحين وبين نمو الصناعات الفلاحية الصغيرة. وهذا أمر طبيعي جدا. فالمعطيات الاحصائية المثبتة في الفصل الثاني تسمح بالقول ان تمايز الفلاحين يرافقه حتما نمو في الصناعات الفلاحية الصغيرة. ومع اضمحلال الاقتصاد الطبيعي، إذا بعمليات معالجة المواد الاولية تتحول، الواحدة تلو الأخرى، الى فروع صناعية مستقلة، وإذا بنشوء البرجوازية الفلاحية والبروليتاريا الزراعية يزيد الطلب على منتجات الصناعات الفلاحية الصغيرة، في الوقت ذاته الذي يمدها فيه الايدي العاملة «الحرة» وبالمال «الحر» [7].

4-تمايز منتجي السلع الصغار. معطيات الاحصاء الرسمي للحرفيين على اساس المسح المنزلي في مقاطعة موسكو.

لندرس الآن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية التي تتكون بين منتجي السلع الصغار في الصناعة. ان مهمة تعيين طابع هذه العلاقات مشابهة للمهمة المذكورة أعلاه، في الفصل الثاني، بصدد الفلاحين الصغار. ولكن بدلا من مساحة الأرض المزروعة، يجب أن نرتكز هنا إلى حجم المنشآت الصناعية، وأن نصنِّف صغار الصناعيين وفق حجم الناتج، ونتأكد من الدور الذي يلعبه العمل المأجور في كل فئة منهم، ونعيِّن الظروف التقنية، الخ. والواقع ان الاحصائيات الرسمية عن الحرف، على أساس المسح المنزلي، التي يتطلبها مثل هذا التحليل متوافرة بالنسبة لمقاطعة موسكو (…)

لنتفحص الآن الخلاصات التي يمكن استخراجها من هذه المعطيات.

نبدأ بدور العمل المأجور. يغلب العمل المأجور على العمل العائلي في مجمل الصناعات (البالغ عددها 33)، حيث يجري استخدام 51 بالمئة من اليد العاملة لقاء اجر. ويزداد انخفاض هذه النسبة عند «حرفيي» محافظة موسكو. ولقد جمعنا المعطيات الاحصائية بالنسبة لـ 54 صناعة في محافظة موسكو التي تتوافر ارقام دقيقة حول العمال المأجورين المستخدمين فيها، فحصلنا على رقم 17566 عامل مأجور من مجموع قدره 29446 عامل، اي بنسبة قدرها 59.65 بالمئة. اما بالنسبة إلى مقاطعة بيرم، فان نسبة العمال المأجورين لمجموع الصناع اليدويين والحرفيين تبلغ 24.5 بالمئة، أما بين منتجي السلع دون سواهم، فإنها تتراوح بين 29.4 و31.2 بالمئة. على ان هذه الارقام الاجمالية ليست تقتصر على منتجي السلع وإنما هي تشمل المانيفاتورة الرأسمالية أيضا، كما يرد أدناه.

لذا، فالخلاصة الأكثر اثارة للاهتمام هي التي تؤكد ان دور العمل المأجور يتزايد بنسبة اتساع حجم المنشآت (الصناعية). وهذا ما نلاحظه عند المقارنة بين فئة وأخرى، كما عند المقارنة بين مختلف الشرائح داخل الفئة الواحدة. فبقدر ما تكون المؤسسات واسعة، بذاك القدر ترتفع نسبة ارباب العمل الذين يستخدمون العمال المأجورين، وترتفع معها نسبة العمال الماجورين أنفسهم. يكتفي الاقتصاديون الشعبويون، بعض الأحيان، بالقول ان المنشآت الصغيرة حيث العمل عائلي فقط هي السائدة بين «الصناع اليدويين»، وهم غالبا ما يستشهدون بـ«المعدلات الوسطية» دعما لوجهة نظرهم. وكما هو واضح من المعطيات الاحصائية بين أيدينا، فان هذه «المعدلات الوسطية» لا تصلح لتشخيص الظاهرة التي نحن بصددها. والغلبة العددية للمنشآت الصغيرة ذات العمال العائليين لا تلغي بأي حال من الأحوال الحقيقة الاساسية التي تقول ان مسار الانتاج البضاعي الصغير يتجه نحو الاستخدام المتزايد للعمل المأجور، نحو نشوء المحترفات الرأسمالية. فضلا عن ذلك، فالمعطيات الاحصائية ذاتها تدحض مقولة شعبوية ليست اقل انتشارا من الأولى تقول ان العمل المأجور في الانتاج «الصناعي اليدوي» يخدم في الواقع كـ«ملحق» للإنتاج العائلي، وأن اللجوء اليه لا يتم بغرض تحقيق الربح، إلى ما هنالك. لكن الحقيقة أن تزايد استخدام العمل المأجور يسير بموازاة زيادة عدد العمال العائليين، عند الصناعيين الصغار، كما عند صغار المزارعين. ونلاحظ في غالبية الصناعات ان استخدام العمل المأجور يتزايد عند الانتقال من الفئة الأدنى إلى الفئة الأعلى، رغم الزيادة التي يطرأ على عدد العمال العائليين لكل منشأة. والواقع ان استخدام العمل المأجور لا يزيل الفوارق في أحجام عائلات «الصناع اليدويين»، انما هو يزيدها حدة. ويتبين من الرسم البياني الاحصائي [8] بوضوح كامل هذه السمة المشتركة بين الصناعات الصغيرة: ان الفئة الاعلى هي التي تستخدم اكثرية العمال المأجورين مع انها الاكثر استخداما للعمال العائليين. وهكذا، فان «التعاون العائلي» هو قاعدة التعاون الرأسمالي. وبديهي القول، طبعا، ان هذا «القانون» لا ينطبق
إلا على اصغر المنتجين السلعيين، على الاشكال الاولية للرأسمالية، وانه –اي القانون- يؤكد ميل الفلاحين للتحول إلى برجوازيين صغار. وما ان تنشأ المحترفات التي تضم عددا معقولا من العمال المأجورين، حتى تتقهقر، بالضرورة، اهمية «التعاون العائلي». وتؤكد لنا معطياتنا الاحصائية ان هذا القانون لا ينطبق على اكبر الشرائح في الفئات العليا. فعندما يتحول «الصانع اليدوي» إلى رب عمل رأسمالي حقيقي يستخدم 15 إلى 30 عاملا مأجورا، يتقلص الدور الذي يلعبه العمل العائلي في محترفاته وتتضاءل اهميته (ففي الشريحة العليا من الفئة العليا، مثلا، يشكل العمال العائليون 7 بالمئة فقط من مجموع عدد العمال). وبعبارة أخرى، بقدر ما تتقلص الصناعات «اليدوية» بحيث يطغى عليها «التعاون العائلي»، بذاك القدر يشكل هذا التعاون الضمانة الاكيدة لتطور التعاون الرأسمالي. وهنا، بالتالي، تبرز جدلية الانتاج السلعي بأوضح ما تبرز، هذه الجدلية التي تحوِّل «العمل بأيدينا» إلى العمل بأيدي الغير، اي إلى استغلال.

ننتقل الآن إلى المعطيات الاحصائية عن انتاجية العمل. تشير الاحصائيات عن الناتج الاجمالي للعامل الفرد في كل فئة، إلى أن انتاجية العمل ترتفع مع زيادة حجم المنشأة. وهذا ما نلاحظه في الاكثرية الساحقة من الصناعات، وفي كافة فروعها بلا استثناء. وإذا بالرسم البياني يثبت هذا القانون، كاشفا أن حصة الفئة الاعلى من الناتج الاجمالي تزيد عن حصتها من العدد الاجمالي للعمال. أما في الفئة الأدنى، فالآية معكوسة. ان الناتج الاجمال للعامل الفرد في مؤسسات الفئات العليا يزيد بنسبة 20 إلى 40 بالمئة عما هو عليه في مؤسسات الفئات الدنيا. صحيح ان المؤسسات الكبيرة تفرض عادة ساعات عمل اطول وتعالج احيانا موادا أثمن من التي تعالجها المؤسسات الصغيرة. إلا أن هذا وذاك لا يلغي حقيقة ان انتاجية العمل هي اكثر ارتفاعا بكثير في المحترفات الكبيرة، مما هي عليه في المحترفات الصغيرة. ولا يمكن ان يكون الامر غير ذلك. فالمؤسسات الكبيرة تضم ثلاثة إلى خمسة اضعاف عدد العمال (من مأجورين وعائليين) الذي تضمه المؤسسات الصغيرة، ولا يسع التعاون الواسع النطاق إلا أن يرفع من انتاجية العمل. ثم ان المحترفات الكبيرة هي دائما افضل تجهيزا، من الناحية التقنية، اي انها تملك افضل الأدوات، والتجهيزات، وقطع الغيار، والآلات، الخ (…)

وأخيرا، لا بد من القول أن قيمة المنتجات للعامل الفرد لا تزيد ونحن ننتقل من الفئة الادنى إلى الفئة العليا في غالبية الصناعات وحسب، وإنما ينطبق الأمر أيضا على الانتقال من الصناعات الصغيرة إلى الصناعات الكبيرة. ففي الفئة الاولى من الصناعات، يبلغ معدل ناتج العامل 202 روبل، ويرتفع إلى 400 روبل في الفئة الثانية والثالثة، ويزيد عن 5000 روبل في الرابعة… وهذا ما يشير إلى العلاقة بين ارتفاع سعر المواد الاولية وبين خراب المؤسسات الصغيرة على يد المؤسسات الكبيرة. فكل خطوة يخطوها تطور المجتمع الرأسمالي يرافقها بالضرورة ارتفاع في سعر مواد اولية كالخشب وما شابه، وهذا ما يقرّب من أجَل المنشآت الصغيرة.

وينجم عما ورد أعلاه، أن المؤسسات الرأسمالية الكبيرة نسبيا تلعب ايضا دورا بالغ الاهمية في الصناعات الفلاحية الصغيرة. وإذا كانت تشكِّل الاقلية بين اجمالي عدد المنشآت، إلا أنها تستأثر بالحصة الأكبر من الناتج العام. وهكذا، فان مؤسسات الفئة الأولى، تشكل 15 بالمئة من اجمالي عدد الصناعات الثلاثة والثلاثين في محافظة موسكو، غير أنها تقدم 54 بالمئة من الناتج الإجمالي، في حين لا تقدم مؤسسات الفئة الدنيا أكثر من 21 بالمئة من هذا الناتج الإجمالي، مع أنها تشكل 53 بالمئة من اجمالي عدد المؤسسات. فبديهي القول إذن ان توزيع الدخل الصافي بين الصناعات لا بد وان يكون شديد التفاوت، وهذا ما يشهد عليه الاحصاء الرسمي عن صناعات «بيرم» اليدوية للعامين 1894-1895 (…)

ان عددا ضئيلا من المؤسسات الكبيرة (يقل عن 10 بالمئة من المجموع) يستخدم 5/1 من مجموع العمال، يقدم تقريبا نصف الناتج الاجمالي و5/2 (خمِسَي) المدخول الاجمالي (بما يدمج أجور العمال مع مداخيل أرباب العمل). وفي المقابل، يحصل ارباب العمل الصغار على مدخول صاف ادنى بكثير من اجور العمال المأجورين المستخدمين في المؤسسات الكبيرة. وقد بيَّنا بالتفصيل، في مكان آخر من هذا الكتاب، ان هذه الظاهرة ليست الشواذ، بل هي القاعدة العامة بالنسبة للصناعات الفلاحية الصغيرة.

تلخيصا للاستنتاجات المستخلصة من المعطيات المحلَّلة أعلاه، ينبغي القول أن النظام الاقتصادي للصناعات الفلاحية الصغيرة هو نظام بورجوازي صغير بامتياز، مثله كمثل النظام الذي شاهدنا بين صغار المزارعين، ولا يمكن توسيع الصناعات الفلاحية الصغيرة، ولا تطويرها او تحسينها، في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الراهنة، إلا بتوليد اقلية من الرأسماليين الصغار من جهة، وأكثرية من العمال المأجورين او «الصناع المستقلين» الذين يعيشون حياة اقسى ذات مستوى أشد انخفاضا من مستوى معيشة حياة العمال المأجورين، من جهة أخرى. وإننا نشهد، بالتالي، في الصناعات الفلاحية الصغيرة ابرز الصفات البدائية للرأسمالية –لتلك الرأسمالية التي يعتبرها العديد من الاقتصاديين من طراز مانيلوف [9] على انها شيء منفصل عن «الانتاج الشعبي». وأيضا، فان الوقائع التي درسنا قليلة الاهمية من زاوية نظرية السوق المحلي. ان تطور الصناعات الفلاحية الصغيرة يؤدي إلى تزايد طلب الصناعيين الميسورين على وسائل الانتاج وعلى قوة العمل التي يحصلون عليها من بين صفوف البرولتاريين الريفية. ولا بد أن يبلغ عدد العمال المأجورين المستخدمين لدى حرفيي القرى والصناعيين الصغار رقما ملفتا للنظر، إذا كان يبلغ عددهم في محافظة بيرم وحدها 6500 عامل [10].

5-التعاون الرأسمالي البسيط

ان تأسيس منتجي السلع الصغار لمحترفات كبيرة نسبيا هو الذي يعلن الانتقال إلى شكل صناعي أرقى. وهكذا يولد التعاون الرأسمالي البسيط وسط الانتاج المبعثر الصغير:

(«إذ ذاك فقط يبدأ الانتاج الرأسمالي الحقيقي… عندما يعمد كل رأسمال فرد إلى استخدام عدد واسع نسبيا من العمال، وعندما تجري العملية الإنتاجية، بالتالي، على نطاق واسع، وتنتج كميات كبيرة نسبيا من المنتجات. ان تجمع عدد متزايد من العمال الذين يعملون معا، في نفس المكان والزمان أو، على الأقل، في مجال عمل واحد) من أجل انتاج نوع واحد من السلع تحت سيادة رب عمل رأسمالي واحد –تلك هي نقطة البداية في الانتاج الرأسمالي، منطقيا وتاريخيا. وبالنسبة لنمط الانتاج نفسه، يصعب التمييز بين الاطوار الاولى من المانيفاتورة، في المعنى الدقيق للكلمة، وبين الطوائف الحرفة المقفلة، اللهم إلا بالعدد الاكبر من العمال الذين يستخدمهم رب عمل رأسمالي واحد في آن معا. وكل ما في الامر هو توسيع المحترف القرن اوسطي لشيخ الكار الحرفي» (رأس المال، الكتاب الأول، الطبعة الروسية، ص 322، الألمانية ص 329).

تلك هي نقطة انطلاق الرأسمالية التي سنشاهدها بالتالي في صناعاتنا الفلاحية الصغيرة («الصناعات اليدوية». ان اختلاف الظروف التاريخية (غياب الصناعات اليدوية في النقابات الحرفية المقفلة guilds أو تطورها البطيء) لا يغير إلا الاشكال التي تتجلى فيها العلاقات الرأسمالية المتماثلة. والواقع ان الفارق بين محترف رب العمل الرأسمالي ومحترف الصناعي الصغير كان يقتصر على الفارق في عدد العمال الدائمين المشتغلين في كل منهما. ولذا، فان المؤسسات الصناعية الأولى، التي تشكل الاقلية من حيث العدد، تسغرق، أول الأمر، وسط بحر من المؤسسات الصغيرة. غير أن استخدام عدد متزايد من العمال لا يلبث ان يؤدي بالضرورة إلى تغييرات في الانتاج نفسه، وإلى التحول التدريجي للإنتاج. في ظل التقنية اليدوية البدائية، غالبا ما تكون الفوارق كبيرة بين العمال الفرديين (من حيث القوة والحذق والمهارة، الخ). وهذا سبب كاف، بحد ذاته، لزعزعة موقع الصناعي الصغير، فيرهق كاهله بشتى أنواع الارهاق نتيجة اتكاله على تذبذبات السوق. أما حيث يعمل عدة عمال في مؤسسة واحدة، يتولى المحترف نفسه تقليص الفروقات الفردية فيما بينهم: «ان يوم العمل الجماعي لعدد كبير من العمال في وردية عمل واحدة… يساوي يوما واحدا من متوسط العمل الاجتماعي» [11]، وبالتالي فان صنع وبيع منتجات المحترف الرأسمالي يتطلبان قدرا اكبر بكثير من الانتظام والاستقرار. وهو يسمح باستخدام افضل للأبنية والمستودعات والتجهيزات وأدوات العمل وسواها، وهذا يؤدي بدوره إلى ضعف أكلاف الانتاج في المحترفات الكبيرة. ان تنظيم الانتاج على نطاق واسع والاستخدام المتزامن لعدد كبير من العمال يتطلبان تراكم رأسمال كبير إلى حد ما، وهذا يحصل عادة في مجال التجارة، وليس في مجال الانتاج. ثم ان حجم رأس المال هذا يقرر شكل مساهمة الرأسمال في المؤسسة –ما إذا كان سيتعاطى العمل اليدوي، في حال شحة رأس ماله، أو ما إذا كان سيتخلى عن العمل بنفسه ويتخصص في مهام الادارة والتجارة. نقرأ، مثلا، في احد الاوصاف لصناعة الاثاث ما يلي: «باستطاعة المرء ان يكتشف علاقة مباشرة بين موقع صاحب المشغل وبين عدد عماله. فان استخدام عاملين او ثلاثة يوفر للمالك فائضا شحيحا إلى درجة انه يبقى مضطرا للعمل اليدوي إلى جانب عماله… اما استخدام خمسة عمال، فانه يوفر لرب العمل ما يكفي من الفائض لكي يتخلى جزئيا عن العمل اليدوي، فيخفف عمله، وينصرف اساسا إلى الوظفتين السالفتي الذكر» (اي شراء المواد وبيع المنتجات). «وما ان يصل عدد العمال المأجورين إلى العشرة او يزيد، فان المالك لا يتخلى عن العمل اليدوي وحسب وإنما يتوقف ايضا عن مراقبة عماله، إذ يعين وكيلا لهذا الغرض.. فها انه قد اصبح رأسماليا صغيرا، وسيدا بالولادة » (عيساييف، صناعات مقاطعة موسكو، الجزء الأول، ص 52-53). والواقع أن الاحصائيات التي اثبتناها بيانيا تؤكد هذا الوصف، إذ تبين تقلص عدد العمال العائليين مع ظهور عدد كبير من العمال المأجورين.

يصف مؤلف رأس المال الدلالة العامة للتعاون الرأسمالي البسيط بالنسبة إلى تطور الاشكال الرأسمالية في الصناعة على النحو التالي:

«ان هذا الشكل يتطور تاريخيا في مواجهة الزراعة الفلاحية والإنتاج الحرفي المستقل أكان داخل النقابات الحرفية ام خارجها… وكما ان القوة الانتاجية الاجتماعية للعمل التي تتطور بفضل التعاون، تبدو على انها القوة الانتاجية لرأس المال، فكذلك يبدو التعاون نفسه، إذا ما قورن بعملية الانتاج التي يمارسها فلاحون مستقلون منعزلون أو حتى أرباب عمل صغار، يبدو وكأنه شكل مميز من اشكالا عملية الانتاج الرأسمالية. انه التحول الاول الذي يطرأ على سيرورة العمل الفعلية عندما تضخع لرأس المال… ان الاستخدام المتزامن لعدد كبير من العمال المأجورين، في عملية انتاجية واحدة، الذي يشكل الشرط الضروري لمثل هذا التحول، هو أيضا نقطة انطلاق للإنتاج الرأسمالي… فإذا قدم نمط الانتاج الرأسمالي نفسه إلينا، تاريخيا، على انه الشرط الضروري لتحويل سيرورة العمل إلى عملية اجتماعية، كذلك فإن هذا الشكل الاجتماعي لسيرورة العمل، من جهة ثانية، يقدم نفسه بصفته وسيلة يستخدمها رأس المال من اجل تحقيق اقصى درجة من الاستغلال لليد العاملة، عبر زيادة انتاجيتها.

ان التعاون، في شكله البدائي الذي عرفناه حتى الآن، هو شرط مرافق لكل انتاج كبير. غير أنه لا يمثل، بحد ذاته، شكلا ثابتا تتميز به إحدى حقبات تطور نمط الانتاج الرأسمالي. انه يقارب هذه الحالة، مجرد مقاربة لا غير، في الاطوار الصناعية اليدوية الاولى من مرحلة المانيفاتورة» (رأس المال، الجزء الأول، ص 344-345).

وسوف نرى لاحقا مدى الارتباط الوثيق بين مؤسسات الصناعة اليدوية المستخدِمة للعمال المأجورين في روسيا وبين الاشكال الرأسمالية الاوسع انتشارا والأرقى تطورا. اما بالنسبة لدور هذه المؤسسات في الصناعات الفلاحية الصغيرة، فالإحصائيات السالفة الذكر تبين ان هذه المؤسسات تؤدي إلى نشوء تعاون رأسمالي واسع الانتشار إلى حد كبير يحل محل الانتاج المبعثر السابق ويرفع انتاجية العمل بمقادير ملموسة.

ان خلاصتنا بصدد الاهمية العظمى لدور التعاون الرأسمالي في الصناعات الفلاحية الصغيرة وبصدد دلالتها التقدمية تسير في خط متعاكس مع الفكرة الشعبوية الشائعة عن غلبة منوعات من «مبدأ الآرتيل» [12] في الصناعات الفلاحية الصغيرة. واقع الأمر ان العكس تماما هو الصحيح. فالسمة الميزة للصناعة الصغيرة (وللصناعات اليدوية) هو الطابع الشديد البعثرة للمنتجين الافراد. دعما لوجهة النظر المقابلة، لم تستطع ادبيات الشعبويين ان تقدم غير مجموعة من الامثلة الافرادية، لا ينطبق معظمها على التعاون أصلا، وإنما هي تتعلق بجمعيات صغيرة لأصحاب الحرف، الصغار والكبار، لأغراض التموّن المشترك بالمواد الأولية، وبناء محترف مشترك، الخ. ان مثل هذه «الآرتيلات» لا تؤثر بشكل أو بآخر بالطابع الغالب للتعاون الرأسمالي. اما للتوصل إلى فكرة واضحة عن الرقعة التي ينطبق عليها «مبدأ الآرتيل»، عمليا، فلا يكفي أن نذكر أمثلة اعتباطية مأخوذة من هنا وهناك، بل ينبغي اخذ المعطيات الاحصائية لمنطقة معينة جرت دراستها تفصيليا، وتفحص مدى الورود النسبي لأشكال التعاون المختلفة ووزنها. ذلك مثلا هو الحال بالنسبة إلى احصائيات الصناعات اليدوية في «بيرم» لعام 1894-1895 وقد بيّنا في مكان آخر [13] البعثرة العجيبة للصناعيين الصغار التي تدل عليها الاحصائيات، والأهمية المعطاة للمؤسسات الكبيرة القليلة العدد. والخلاصة التي استخلصنا بصدد دور التعاون الرأسمالي لم تكن ترتكز إلى امثلة معزولة، بل هي اعتمدت المعطيات الدقيقة للمسوح الاحصائية من بيت لبيت، التي شملت عشرات من أشد الصناعات تنوعا في مناطق مختلفة.

6-رأس المال التجاري في الصناعات الصغيرة

نعلم ان الصناعات الفلاحية الصغيرة تؤدي، معظم الأحيان، إلى نشوء السماسرة، الذين يتعاطون العمليات التجارية المتعلقة بتسويق المنتجات وشراء المواد الاولية ويمارسون الوصاية، بطرق مختلفة، على الباعة الصغار. لننظر الآن إلى العلاقة بين هذه الظاهرة وبين النظام العام للصناعات الفلاحية الصغيرة، وإلى دلالة هذه العلاقة.

ان العملية الاقتصادية الرئيسية التي يتعاطاها السمسار هي شراء السلع (أكانت منتجات جاهزة أم موادا أولية) من اجل اعادة بيعها. وبكلمة أخرى، فالسمسار هو ممثل من ممثلي راس المال التجاري. ان نقطة انطلاق كل رأس مال –صناعي أن تجاري- هو تراكم مال حر بين ايدي افراد (ونعني بالمال الحر، المال الذي لا يحتاجه الافراد لأغراض الاستهلاك الشخصي، الخ). اما كيف يتولد هذا التمايز في الملكية في أريافنا، فقد بيَّناه بالتفصيل اعلاه من خلال الاحصائيات عن تمايز الفلاحين الزراعيين والصناعيين. وقد اظهرت الاحصائيات واحدا من شروط نشوء السمسرة، وهو الطابع المبعثر للمنتجين الصغار وعزلتهم، وانتشار المنافسة والصراع الاقتصاديين في اوساطهم. وأما الشرط الآخر، فانه يتعلق بطبيعة الوظائف التي يمارسها رأس المال التجاري، اي انه يتعلق بتسويق المنتجات وشراء المواد الاولية. وحيث يكون تطور الانتاج البضاعي بطيئا ومحدودا، فان المنتج الصغير يكتفي بتصريف منتجاته في السوق المحلية الصغيرة، أو هو يكتفي بتصريفها إلى المستهلك مباشرة. تلك هي ادنى درجة في تطور الانتاج البضاعي، وهي بالكاد تتمايز عن الانتاج الحرفي. ولكن، مع توسع السوق، نجد انه بات يتعذر الاستمرار في هذا التسويق المحدود والمجزأ (الذي يتلاءم كليا مع الانتاج المحدود والمبعثر). فالسوق الكبيرة تتطلب التسويق على نطاق واسع. وهكذا فان الانتاج الصغر يدخل في تناقض لا حل له مع الحاجة إلى تسويق كبير وبالجملة. ففي ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية السائدة، ومع عزلة المنتجين الصغار وتمايزهم، لا يمكن حل هذا التناقض إلا بتولي الاقلية الميسورة لعملية التسويق وتركيزها بين يديها. ان السماسرة، بشرائهم المنتجات (او المواد الاولية) بالجملة وبكميات كبيرة، ساعدوا على تخفيض أكلاف التسويق وحولوا التسويق من عملية ثانوية، متقطعة، وعرضية إلى عملية منتظمة وواسعة النطاق. وكان لا بد لهذه الفائدة محض الاقتصادية الناجمة عن التسويق الواسع النطاق من ان تؤدي إلى بتر الصلة بين المنتج الصغير والسوق، فإذا به لا حول له ولا قوة امام جبروت رأس المال التجاري. وهكذا، فمن المحتم على المنتج الصغير، في ظل الاقتصاد البضاعي، ان يصبح تابعا لرأس المال التجاري بفعل التفوق الاقتصادي المحض للتسويق الواسع النطاق وبالجملة على التسويق الصغر المبعثر. وغني عن القول ان ارباح السماسرة غالبا ما لا تقتصر على الفارق بين عائدات المبيعات الكبيرة وعائدات المبيعات الصغيرة، تماما مثلما أرباح الرأسماليين الصناعيين غالبا ما تتكون من اقتطاعات من الاجور العادية. ومهما يكن من أمر، فان تفسير أرباح الرأسماليين الصناعيين يتطلب الافتراض بأن قوة العمل تباع بسعرها الفعلي. وكذلك، فان تفسير دور السمسار يتطلب الافتراض بأنه يشتري ويبيع السلع وفق القوانين العامة التي تسيّر التبادل السلعي. وحدها هذه الاسباب الاقتصادية لسيطرة رأس المال التجاري تحمل مفتاح فهم تنوع الاشكال الذي تكتسبه في الحياة الحقيقية، ومن بينها نجد، دون ريب، الخداع السافر. أما انتهاج نهج مغاير، كما هو الحال بالنسبة للشعبويين عادة، اي الاقتصار على تعداد الحِيَل المختلفة التي يلجأ اليها «الكولاك»، وبالتالي اهمال الطبيعة الاقتصادية للعملية، فانه يعني تبني وجهة نظر الاقتصاد المبتذل لا غير.

دعما لأطروحتنا المتعلقة بالعلاقة السببية الضرورية بين الانتاج السوقي الصغير وهيمنة راس المال التجاري، فلنعالج بمزيد من التفصيل واحدا من افضل الاوصاف لكيفية ظهور السمسار وللدور الذي يلعبه. أشير هنا إلى الدراسة عن صناعة المخرّمات في مقاطعة موسكو (صناعات مقاطعة موسكو، المجلد 6، الجزء الثاني). لقد ظهرت البائعة على النحو التالي: عندما نشأت هذه الصناعة، في العشرينيات، وفي الفترة التي أعقبتها، عندما كان عدد صناع المخرمات لا يزال محدودا، كان الملاك العقاريون، اي الأرستقراطية، يشكلون المشترين الرئيسيين للمخرمات. وهكذا كان المستهلك في جوار المنتج. ومع توسع الصناعة، بدأ الفلاحون يرسلون المخرمات إلى موسكو «حسب التوفيق»، بواسطة صناع الأمشاط، مثلا. ولكن، سرعان ما اتضح الازعاج الذي يسببه هذا الشكل البدائي من التسويق: «كيف يمكن للموجيك الذي لا يمتهن مهنتنا ان ينتقل من بيت إلى بيت؟». وهكذا فقد جرى تكليف واحدة من صناع المخرمات ببيعها، وجرى التعويض عليها على الوقت الذي تبذله لهذا الغرض. «اخذت تعود ومعها خيوط للتخريم». وهكذا فان مساوئ التسويق المنعزل ادت إلى تحويل التجارة إلى مهنة متخصصة يمارسها شخص واحد يتولى تجميع المنتجات من عدد من الصناع. وفي بادئ الأمر، ادى التجاوز العشائري بين العاملات (أقارب، جيران، ابناء قرية واحدة، الخ.) إلى محاولات لتنظيم المبيعات على اساس تعاوني، وإلى محاولات لتخصيص واحدة من العاملات بهذه المهمة. غير أن الاقتصاد المالي يولد شرخا في العلاقات العشائرية القديمة، ويولد فورا تلك الظاهرة التي اشرنا اليها اعلاه عند دراسة الاحصائيات التفصيلية عن تمايز الفلاحين. ان الانتاج للسوق يعلِّم ان الوقت له ثمن. من هنا تنشأ الحاجة إلى تعويض الوسيطة عن الوقت والعمل المهدورَين، فتألف المهمة وتبدأ بامتهانها. «ان مثل هذه الرحلات، عندما تتكرر عدة مرات، تؤدي إلى نشوء البائعة». (المصدر السالف الذكر، ص 30). فالمرأة التي نزلت إلى موسكو عدة مرات باتت تقيم علاقات دائمة لا غنى عنها للتسويق الصحيح. (وهكذا تنمو الحاجة والعادة لتحويل العائدات من العمولات إلى مصدر رزق). وبالإضافة إلى عائدات العمولات، «تبذل البائعة كل ما في وسعها لرفع سعر المواد والورق والخيوط». فتبيع المخرمات فوق السعر المتفق عليه وتحتفظ بالفارق لنفسها. وتعلن البائعات أن السعر الذي تلقينه كان ادنى من السعر المتفق عليه، ويصبح قولهن المألوف: «خذها بهذه الشروط، أو فاتركها!». ثم «تبدأ البائعات… باستجلاب السلع من المدن وتحقق عليها أرباحا طائلة». وهكذا فجابية العمولات تتحول إلى بائعة مستقلة تبدأ باحتكار المبيعات، وباستخدام موقعها الاحتكاري هذا من اجل اخضاع صناع المخرمات اخضاعا كاملا. فتظهر عمليات الربا جنبا إلى جنب مع العمليات التجارية –إقراض الاموال لعاملات التخريم، واستلام البضاعة منهن بأسعار منخفضة، الخ. «تدفع الفتيات (…) 10 كوبيك كعمولة على الروبل الواحد… وهن يعرفن جيدا ان البائعة تحقق اكثر من ذلك إذ تبيع التخريم بسعر أعلى. لكنهن لا يعرفن تدبير الامر بطريقة مختلفة. فعندما اقترحت ان يتناوبن على السفر إلى موسكو، أجبن ان هذا ما شأنه زيادة الامر سوءا، لأنهن يجهلن اين تباع المخرمات، في حين البائعة تعرف كل الأمكنة. وهي تبيع المخرمات الجاهزة وتعود بطلبات ومواد وتصاميم، الخ. ثم انها تقدم لهن المال سلفا، أو على شكل قروض، ويستطيع المرء أن يبيعها قطعة تخريم مباشرة اذا اقتضى الامر. وهكذا تصبح البائعة شخصا يستحيل الاستغناء عنه من جهة، وتتحول تدريجيا، من جهة ثانية، إلى شخص يستغل عمل الآخرين بلا شفقة، اي تتحول إلى امرأة كولاكية» (ص 32).

ولا بد أن نضيف هنا ان البائعات ينشأن من وسط المنتجين الصغار انفسهم:

«مهما تكاثرت الاستقصاءات التي أجريناها، نجد ان البائعات كن سابقا عاملات تخريم، يعرفن المهنة جيدا بالتالي، لأنهن خرجن من صفوف عاملات التخريم، وبدأن العمل بلا أي رأس مال، وتدرجن بالمتاجرة بالخام وسواه من السلع وهن يراكمن الاموال من العمولات» (ص 31).

والذي لا شك فيه أنه في ظل الاقتصاد البضاعي فالصناعيون الموسرون عموما، وممثلو رأس المال التجاري خصوصا، ينبثقون من صفوف المنتجين الصغار. وما ان ينشأ هؤلاء، حتى تصبح عملية تصفية التسويق المحدود والمجزأ عن طريق تجارة الجملة الكبيرة أمرا محتوما (…)

يمكننا ذكر العديد من الأمثلة المماثلة. لكن ما قدمناه يكفي لتبيان استحالة التسويق المحدود والمجزأ حيث يكون الانتاج للأسواق الكبيرة. ونظرا لتشتت المنتجين الصغار وتمايزهم الكامل، يتعذر تنظيم التسويق الكبير إلا بواسطة رأس مال كبير، الذي يخضع الصناع اليدويين إلى حالة من الاستسلام والتبعية. وهكذا، يستطيع المرء ان يحكم لنفسه عن مدى سخف النظريات الشعبوية السائدة التي تدعو إلى مساعدة «الصناع اليدويين» عن طريق «تنظيم عمليات التسويق». من الزاوية النظرية المحضة، تنتم مثل هذه النظريات إغلى فصيل الطوباويات البرجوازية الصغيرة، القائمة على العجز عن فهم العلاقة التي لا تنفصم بين الانتاج البضاعي وبين التسويق الرأسمالي. أما عن الحقائق الصلدة للواقع الروسي، فان اصحاب مثل هذه النظريات يكتفون بتجاهلها بكل بساطة: انهم يتجاهلون تشتت المنتجين السوقيين الصغار وتمايزهم الكامل؛ وهم يتجاهلون أن من بين هؤلاء ينشأ السماسرة، وان التسويق، في المجتمع الرأسمالي، لا ينظمه إلا رأس المال الكبير. وطبيعي، إذا أسقط المرء كل هذه الاوجه المزعجة، لكنها الحقيقية، للواقع، فانه لن يصعب عليه ان يجترح اكثر التهويمات اعتباطا.

يتعذر علينا هنا الدخول في الحيثيات التي تبين التجليات المحدودة لرأس المال التجاري في صناعاتنا اليدوية، والموقع البائس والاستسلامي الذي تدفع الصناعي الصغير اليه. ثم اننا سنتعرض في الفصل اللاحق، لوصف هيمنة رأس المال التجاري في طور أعلى من تطوره، حيث يتولى (بصفته ملحقا بالمانيفاتورة) تنظيم الصناعة المنزلية الرأسمالية على نطاق واسع. لذا سنكتفي هنا بالإشارة إلى الاشكال الرئيسية التي يكتسبها راس المال التجاري في الصناعات الصغيرة.

إن أول وأبسط هذه الاشكال هي شراء التاجر (او صاحب المحترف الكبير) للمنتجات من المنتجين السوقيين الصغار. حيث تكون السمسرة على مستوى أدنى من التطور، أو حيث يتكاثر السماسرة المتنافسون، فان بيع السلع للتجار قد لا يختلف عن اية عملية بيع اخرى. أما في الاكثرية الساحقة من الحالات، فالسمسار المحلي هو الشخص الوحيد الذي يسلمه الفلاح منتجاته بانتظام، ثم يأخذ السمسار بالإفادة من موقعه الاحتكاري هذا لتخفيض الاسعار التي يدفعها للمنتج إلى أدنى مستوى.

أما الشكل الثاني لرأس المال التجاري فهو ذلك الذي يندمج مع الربا. فالفلاح، الدائم الحاجة إلى نقود، يقترض من المسار ويسدده دَينه على شكل منتجات وسلع.

دائما تتم عملية بيع السلع هذه (وهي واسعة الانتشار) بأسعار منخفضة بطريقة اصطناعية، مما لا يترك للمنتج عمليا إلا ما يوازي اجر عامل مأجور. وبالإضافة لذلك فإن علاقة الدائن بالمدين تؤدي حكما إلى تبعية الثاني للأول، إلى شكل من اشكال الاسترقاق، إلى استغلال الدائن لمناسبات معينة من حاجات المدين، الخ.

ويتلخص الشكل الثالث من اشكال رأس المال التجاري بدفع ثمن المنتجات على شكل سلع، وهو ممارسة شائعة بين سماسرة القرى. والسمة المميزة لهذا الشكل هو أنه لا يشمل الصناعات الصغيرة وحسب وإنما ايضا كل الاطوار البدائية من الانتاج البضاعي والرأسمالية. وحدها الصناعة الآلية الكبيرة، التي جمَّعت العمل وحققت القطيعة نهائيا مع التقاليد والممارسات العشائرية، قضت على هذا الشكل الاسترقاقي بتحريمه قانونا في المؤسسات الصناعية الكبيرة.

والشكل الرابع لرأس المال التجاري هو أن يدفع التاجر بواسطة نوع معين من السلع يحتاجه الصانع اليدوي لأغراض الانتاج (مواد أولية أو مواد مساعدة، الخ). وقد يتحول بيع مواد الانتاج للصناعي الصغير إلى عملية مستقلة من عمليات رأس المال التجاري، مشابهة كليا لعملية شراء السلع الجاهزة. ولكن، ما أن يبدأ السمسار بشراء السلع الجاهزة والدفع بواسطة المواد الاولية اللازمة للصناع اليدويين، فان هذا يشكل خطوة كبيرة في تطور العلاقات الرأسمالية. وبعد ان يقوم بعزل الصناعي الصغير عن وق السلع الجاهزة، إذا بالسمسار يعزله الآن عن سوق المواد الأولية ويخضعه كليا لمشيئته. وهناك خطوة واحدة للانتقال من هذا الشكل إلى الشكل الارقى لرأس المال التجاري حيث السمسار يسلم المواد للصانع اليدوي الذي يصنِّعها لقاء أجر معين. وهكذا يصبح الصانع اليدوي عمليا عاملا مأجورا، يعمل في منزله لصالح الرأسمالي. وبذلك يتحول رأس المال التجاري للسمسار إلى رأس مال صناعي. فتنشأ الصناعة المنزلية الرأسمالية. اننا نلقاها، ولكن مشتتة، وسط الصناعات الصغيرة. غير أن انتشارها على نطاق واسع لا يتم إلا في ظل الطور الاعلى من تطور الرأسمالية.

7-«الصناعة والزراعة»

(…)فلنلخص الآن المعطيات الاحصائية الواردة أعلاه من «الصناعة والزراعة». من الطبيعي، في هذا الطور الادنى من الرأسمالية الذي نحن بصدده، ان لا يتمايز الصناعي، او بالكاد، عن الفلاح. ان اندماج الصناعة مع الزراعة يلعب دورا بالغ الأهمية في تفاقم واحتدام عملية تمايز الفلاحين. فالفلاحون الاغنياء والميسورون يفتحون المشاغل، ويستخدمون العمال من بين صفوف البروليتاريا الزراعية، ويراكمون الاموال للعمليات التجارية والربوية. اما فقراء الفلاحين، من جهة ثانية، فإنهم يوفرونه العمال المأجورين، الصناع اليدويين الذين يعملون لصالح السمسارة والفئات الدنيا من صغار اصحاب محترفات الصناعة اليدوية، أولئك الاكثر انسحاقا تحت جبروت رأس المال التجاري. وهكذا فإن اندماج الصناعة مع الزراعة يعزز وينمي العلاقات الرأسمالية، وينقلها من الصناعة إلى الزراعة والعكس بالعكس. ان هذه الصفة المميزة للمجتمع الرأسمالي، انفصال الصناعة عن الزراعة، تتجلى في هذا الطور بأكثر اشكالها بدائية، لكنها تتجلى مع ذلك، والاهم أنها تتجلى بطريقة تختلف تماما عما يتصوره الشعبويون. فعندما يقول الشعبوي أن الصناعة لا «تضر» بالزراعة، فانه يرى الضرر في التخلي عن الزراعة لصالح الصناعة المدرة للربح. غير ان هذه الفكرة مجرد اختلاف (وليست استخلاصا مبنيا على وقائع)، وهي اختلاق متهافت، لأنها تتجاهل التناقضات التي تعتمل في جسم النظام الاقتصادي الفلاحي. ذلك أن انفصال الصناعة عن الزراعة يحصل بالارتباط مع عملية تمايز الفلاحين، ويتم ذلك بعدة قنوات لدى قطبي الريف: فالأقلية الميسورة تفتح المؤسسات الصناعية، وتوسعها، وتحسن اساليبها الزراعية، وتستخدم العمال الزراعيين لفلاحة الأرض، وتكرس قسما أكبر من العام للصناعة، وفي طور معين من نمو الصناعة تجد أنه بات مفضلا أن تميز مشاريعها الصناعية عن مشاريعها الزراعية، اي تسلم المزرعة إلى افراد آخرين من الأسرة، أو تبيع الأبنية والمواشي، الخ، وتتبنى موقع المواطنين الأحرار، موقع التجار. وفي حالة كهذه، تجد أن تكوّن علاقات الالتزام في الزراعة يسبق انفصال الصناعة عن الزراعة. أما في الطرف الآخر من الريف، يتلخص انفصال الصناعة عن الزراعة بخراب الفلاحين الفقراء وتحولهم إلى عمال مأجورين (زراعيين وصناعيين). في هذا القطب من الريف ليست مربحية الصناعة، بل هي الحاجة والفاقة، التي تجبر الفلاح على مغادرة الأرض، وهو لا يتخلى عن الأرض وحدهها بل ايضا عن العمل الصناعي المستقل. وهنا تشكل عملية انفصال الصناعة عن الزراعة عملية تجريد المنتج الصغير من ملكيته.

8-«اندماج الصناعة مع الزراعة»

تلك هي الصفة الشعبوية المفضلة التي يأمل السادة دانيالسون وفورونتسوف وشركاؤهما أن يحلوا بواسطتها مشكلة الرأسمالية في روسيا. «الرأسمالية» تفصل الصناعة عن الزراعة، و«الانتاج الشعبي» يدمج بينهما في المزرعة الفلاحية المألوفة –تشكل هذه المواجهة لب نظريتهم. لقد بتنا الآن في وضع يسمح لنا بإطلاق الاحكام العامة بصدد السؤال حول كيفية الدمج الحقيقي للفلاحين «بين الصناعة والزراعة»، طالما أننا قمنا أعلاه بدراسة تفصيلية للعلاقات المخصوصة القائمة بين الفلاحين المتعاطين بالزراعة وأولئك الذين يتعاطون الصناعة. فلنعدد، إذن، الأشكال المتنوعة لعملية «اندماج الصناعة بالزراعة» التي نشاهدها في اقتصاديات الزراعة الفلاحية في روسيا.

1-الزراعة البطريركية-العشيرية (اي الطبيعية) تندمج مع الصناعات المنزلية (اي مع معالجة المواد الاولية لأغراض الاستهلاك المنزلية) ومع بذل السخرة لصالح مالك الأرض.

ان هذا الشكل من اندماج «الصناعات» الفلاحية مع الزراعية يميز، أكثر ما يميز، النظام الاقتصادي القرن أوسطي، ويشكل مكونا اساسيا من مكوناته. أما في روسيا، فترة «ما بعد الإصلاح»، فكل ما يتبقى من هذا الاقتصاد البطريركي-العشري- الذي لم يعرف بعد الرأسمالية، أو الانتاج البضاعي، أو حتى التداول البضاعي –هي مجرد آثار تتخذ شكل الصناعات المنزلية للفلاحيين ونظام العمل-الخدمة.

2-تندمج الزراعة البطريركية بالصناعة على شكل انتاج حرفي.

ولا يزال هذا الشكل من الاندماج وثيق الصلة بالشكل الذي سبقه، لا يختلف عنه إلا بظهور التداول البضاعي- حيث الحرفي يقبض المال لقاء أتعابه، ويظهر في السوق لشراء الأدوات والمواد الأولية، الخ.

3-وتندمج الزراعة البطريركية بالإنتاج الصغير للمنتجات الصناعية المعدة للتسويق، أي تندمج مع الانتاج البضاعي في الصناعة. ويتحول الفلاح البطريركي إلى منتج بضاعي صغير، يميل نحو استخدام العمل المأجور، اي نحو الانتاج الرأسمالي، كما ورد اعلاه. ومن شروط هذا التحول بلوغ درجة معينة من التمايز بين الفلاحين: وقد رأينا كيف أن صغار اصحاب الحرف والمعلمين الصغار في الصناعة ينتمون إلى الفئات الغنية أو الميسورة من الفلاحين. وهكذا، فان نمو الانتاج البضاعي الصغير في الصناعة يشكل حافزا اضافيا بدوره لعملية تمايز الفلاحين.

4-تندمج الزراعة البطريركية بالعمل لقاء الاجرة في الصناعة (وفي الزراعة أيضا).

وهذا الشكل هو اضافة ضرورية للشكل السابق: هناك يتحول المنتوج إلى سلعة، اما هنا فان قوة العمل هي التي تصبح سلعة. وكما رأينا، فان الانتاج البضاعي الصغير في الصناعة لا بد وأن يترافق مع ظهور العمال المأجورين والصناع اليدويين الذين يعملون لصالح السماسرة. وهذا الشكل من «اندماج الزراعة بالصناعة» يشمل كل الدول الرأسمالية، ومن أبرز مميزات تاريخ روسيا «ما بعد الإصلاح» هو انتشاره السريع والواسع النطاق.

5-اندماج الزراعة البرجوازية الصغيرة (التجارية) مع الصناعات البرجوازية الصغيرة (الانتاج البضاعي الصغير في الصناعة، التجارة الصغيرة، الخ).

أما الفارق بين هذا الشكل وبين الشكل الثالث، فهو أنه في الحالة الاخيرة نجد أن العلاقات البرجوازية الصغيرة تشمل الزراعة فضلا عن الصناعة. ولكونه الشكل النموذجي لاندماج الصناعة مع الزراعة في اقتصاديات البرجوازية الريفية الصغيرة، فان هذا الشكل هو بالتالي الشكل المميَّز لكافة الاقطار الرأسمالية. وحدهم الاقتصاديون الشعبويون الروس ظفروا بشرف اكتشاف نظام رأسمالي لا توجد فيه برجوازية صغيرة.
6-اندماج العمل المأجور في الزراعة بالعمل المأجور في الصناعة. ولقد سبق نقاش كيف يتمظهر هذا النمط من الاندماج بين الصناعة والزراعة، وما هي دلالته.

وهكذا، فان اشكال «اندماج الزراعة بالصناعة» بين فلاحينا شديدة التنوع: توجد اشكال تعبر عن النظام الاقتصادي الاكثر بدائية حيث يسود الاقتصاد الطبيعي، وتوجد الاشكال التي تعبر عن مستوى رفيع من تطور الرأسمالية، كما توجد سلسلة من المراحل الانتقالية بين هذه وتلك. أما الذي يقتصر على الصياغات العامة (من طراز: «اندماج الصناعة مع الزراعة» أو «انفصال الصناعة عن الزراعة») فانه لا يتقدم خطوة واحدة على طريق تفسير العملية الحقيقية لتطور الرأسمالية.

9-بعض الملاحظات حول الاقتصاد قبل الرأسمالي في الريف الروسي

غالبا ما يجري عرض جوهر مشكلة «مصير الرأسمالية في روسيا» وكأن الأهم في الأمر هو مسألة: بأي سرعة؟ (أي، بأي سرعة تنمو الرأسمالية وتتطور؟). والواقع أن الأهم في الأمر هو مسألة: كيف تماما؟ ومسألة: من أين؟ (أي، ما طبيعة النظام الاقتصادي قبل الرأسمالي في روسيا؟).

يرتكب الاقتصاديون الشعبويون اخطاءهم الرئيسية عند تقديمهم الاجوبة الخاطئة على هذين السؤالين، اي في تصويرهم المغلوط للمسار المحدد لنمو الرأسمالية في روسيا، وفي تمجيدهم المزيَّف للنظام قبل الرأسمالية. في الفصل الثاني (وجزئيا في الفصل الثالث) كما في هذا الفصل، درسنا الاطوار الاولية للرأسمالية في الانتاج الزراعي الصغير وفي الصناعات الفلاحية الصغيرة. وخلال ذلك، كان لا بد من اشارات عديدة لمميزات النظام قبل الرأسمالي. وإذا ما حاولنا الآن تلخيص هذه المميزات، نصل إلى الاستنتاج الذي يقول أن الريف قبل الرأسمالي كان –اقتصاديا- عبارة عن شبكة من الأسواق المحلية الصغيرة تربط تجمعات ضئيلة من صغار المنتجين بعضها ببعض، في حين يفصل بينهم تباعد المَزارع، والحواجز القرن أوسطية العديدة، وكذلك بقايا التبعية القرن أوسطية.

أما عن تبعثر المنتجين الصغار، فهو يظهر، بأوضح ما يظهر، في تمايزهم في كل من الزراعة والصناعة، الذي اثبتناه أعلاه. لكن تبعثرهم هذا لا يقتصر على ذلك. ورغم توحدهم في إطار المشاعة الريفية في جمعيات ادارية وضريبية ولحيازة الأراضي، فثمة عدة عناصر تقسيمية تقسم الفلاحين إلى درجات وفئات حسب حجم حصة الأرض، ومقدار المدفوعات، الخ…) وتتباين هذه الدرجات فيما بينها بتباين تاريخ علاقاته الزراعية، وحجم حصص الارض خاصتها، ومقادير المبالغ التي تدفعها، الخ، الخ. وتنقسم الدرجات إلى عدد لا متناه من الفروقات من نمط واحد. فأحيانا يجري تقسيم فلاحي القرية الواحدة إلى فئتين متمايزتين: «الفلاحون التابعون سابقا للسيد أ» و«الفلاحون التابعون سابقا للسيد ب». وكان هذا التنوع طبيعيا، بل ضروريا، في القرون الوسطى، في الماضي السحيق. أما الآن، فان المحافظة على الانغلاق الفئوي للتجمعات الفلاحية تشكل مفارقة تاريخية صارخة وتؤدي إلى المزيد من التدهور في الاوضاع المعيشية للجماهير الكادحة، دون أن يخفف عنهم أيا من اعباء العصر الجديد، العصر الرأسمالي. وغالبا ما يشيح الشعبويون نظرهم عن هذه البعثرة، وعندما يدافع الماركسيون عن الرأي القائل ان تمايز الفلاحين عملية تقدمية، يكتفي الشعبويون بصيحاتهم المبتذلة ضد «مؤيدي تجريد الفلاحين من الأرض» لطمس الخطل الكبير في آرائهم عن الريف قبل الرأسمالي. ويكفي أن يتصور المرء التشرذم العجيب للمنتجين الصغار لكي يقتنع بتقدمية الرأسمالية، التي تزعزع اسس الأنماط الاقتصادية والحياتية القديمة، ببلادتها العريقة ورتابتها، وتدمر الحياة المستقرة للفلاحين الذين كانوا يستنقعون خلف الحواجز القرن أوسطية، وتخلق الطبقات الاجتماعية الجديدة الساعية، بالضرورة، نحو الاتصال والوحدة والمشاركة الفعالة في مجمل الحياة الاقتصادية (وغير الاقتصادية) للبلد وللعالم أجمع.

وإذا ما عالجنا الفلاحين الذين هم، في الوقت نفسه، صناع يدويون وصناعيون صغار، نجدنا أمام الظاهرة إياها. فان مصالح هؤلاء لا تتعدى حدود القرى المجاورة. ونظرا لضيق الرقعة التي تشملها السوق المحلية، فإنهم لا يتصلون بصناعيي المقاطعات الاخرى. ثم انهم يعيشون حالة من الفزع القاتل من «المنافسة» التي تدمر، بلا شفقة، الجنة العشيرية-البطريركية لصغار الصناع اليدويين والصناعيين، الذين يعيشون الاستنقاع الرتيب الذي لا يعكره انسان أو جماد. وهكذا، فبالنسبة لهؤلاء الصناعيين الصغار، تلعب المنافسة والرأسمالية وظيفة تاريخية مفيدة في جرهم من المناطق النائية ومجابهتهم بكافة القضايا التي تجابه الفئات المتطورة من السكان.

ان الصفة الاخرى للأسواق المحلية الصغيرة –عدا عن الأشكال البدائية للإنتاج الحرفي- هي الاشكال البدائية لرأس المال التجاري والربوي. فبقدر ما تكون القرية نائية، بقدر ما تنأى عن تأثير النظام الرأسمالية الجديد، عن سكك الحديد والمصانع الكبيرة والزراعة الرأسمالية الكبيرة، وبنفس القدر يتضخم الاحتكار الذي يمارسه التجار والمرابون المحليون، وتتضاعف سطوتهم على الفلاحين المجاورين، وتزداد فجاجة. ان اعداء مصاصي الدماء الصغار هؤلاء كبيرة جدا (بالقياس إلى شحة منتوج الفلاحين) وتوجد مجموعة غنية ومتنوعة من الاسماء المحلية للدلالة عليهم (…) والواقع أن طغيان الاقتصاد الطبيعي، الذي يفسر ندرة النقود وارتفاع قيمتها في الريف، يؤدي إلى اكتساب جميع هؤلاء «الكولاكيين» لأهمية لا تتناسب اطلاقا مع حجم رؤوس أموالهم. وهكذا فان اتكال الفلاحين على مال الملاك يكتسب حتما شكلا من اشكال العبودية. وتماما مثلما تعذر على المرء أن يتصور الرأسمالية المتطورة بدون رأس مال كبير على شكل سلع او نقود، كذلك يتعذر عليه أن يتصور القرية قبل الرأسمالية بدون الباعة الصغار والسماسرة الذين يشكلون «سادة» الأسواق المحلية الصغيرة. ان الرأسمالية تربط هذه الاسواق بعضها ببعض، وتوحدها في سوق قومية كبيرة، ثم في سوق عالمية، وتهشِّم الاشكال البدائية للاسترقاق والتبعية الشخصية، وتنمي بالعمق والاتساع التناقضات التي نجدها أيضا في حالة جنينية وسط المشاعيين –فتساهم بالتالي في حلها.


الهوامش

[1]. ان احصائيات إحدى المقاطعات -«بيرم» Perm- للعام 1894- 1895 تلقي بعض الاضواء على موقع الحرفيين في الريف: يقدر عدد الحرفيين المحليين بواحد في المئة من السكان، وأكثريتهم الساحقة (8.06 بالمئة) تعمل في الزراعة إلى جانب عملها «الصناعي» -المترجم-.

[2]. ان ارتباط الانتاج الحرفي بالاقتصاد الطبيعي للفلاحين يؤدي أحيانا إلى محاولات من قِبَلهم لتنظيم هذا الانتاج على امتداد القرية كلها، بحيث يقدم الفلاحون معاش الحرفي، فيما هو يعمل لجميع سكان القرية. أما الآن، فان هذا النظام الصناعي هو الاستثناء، لا القاعدة، وقد نجد بقاياه في المناطق الحدودية النائية (فمثلا نجد ان صنعة الحداد في قرى عبر القفقاس لا تزال منظمة وفق هذه الأسس)… (ملاحظة لينين).

[3]. ومثالنا على ذلك مبادلة الاواني الفخارية بالحبوب: عندما كانت الحبوب رخيصة، كان مقابل الاناء الفخاري يعادل احيانا كمية الحبوب التي يتسع لها الاناء نفسه… (ملاحظة لينين).

[4]. ولشعور هذا البرجوازي الصغير بأن المنافسة قاتلة بالنسبة إليه، فهو يسعى إلى وقفها، تماما مثلما الشعبوي –الذي لا يعدو كونه ايديولوجي البرجوازية الصغيرة- يشعر بأن الرأسمالية ستكون فتاكة بالنسبة لـ«المرتكزات» الغالية جدا على قلبه، ولذا تجده يسعى إلى «تفادي» الرأسمالية، وقطع الطريق عليها، وحجز تطورها، الخ، الخ (ملاحظة لينين).

[5]. وهذا ما يسارع اليه السيد دانيالسون في مصير الرأسمالية ص 78-79 (ملاحظة لينين).

[6]. «المقاول الفرعي» Sub-contractor هو الوسط في الصناعة المنزلية، يقدم للمنتج المواد الخام ويشتري منه القطعة المشغولة –المترجم-.

[7]. ان الخطأ النظري الأساسي الذي يرتكبه اليد دانيالسون في محاججاته عن «رسملة الصناعات» هو أن يتجاهل الخطوات الاصلية للإنتاج السلعي وللرأسمالية في اطوراها المتعاقبة. ذلك ان السيد دانيالسون يقفز مباشرة من «الانتاج الشعبي» إلى «الرأسمالية»، ثم تمتلكه الدهشة- بسذاجة مسلِية- عندما يكتشف ان ما لديه هو رأسمالية بدون قاعدة، رأسمالية اصطناعية، الخ. (ملاحظة لينين).

[8]. الرسم البياني لنسب العمال العائليين والعمال المأجورين في المنشآت الصناعية. وبناء على احصائيات منشآت موسكو، يقسمها لينين إلى اربع فئات: 1)المنشآت من 1.6- 2.5 عمال (مأجورين وعائليين معا)؛ 2)2.7- 4.4 عمال، 3)5.1 – 8.4 عمال، 4) 11.5 – 17.8 عمال، كمعدل وسطي –المترجم-.

[9]. مانيلوف، شخصية من الأرواح الميتة للروائي غوغول، وهو يرمز إلى رجل ضعيف الارادة أفَّاق وتافه –المترجم-.

[10]. نضيف بالنسبة للمقاطعات الاخرى –اضافة لموسكو وبيرم- ان المصادر تلاحظ علاقات مماثلة بين المنتجين البضاعيين الصغار… (ملاحظة لينين).

[11]. كارل ماركس، رأس المال، الطبعة الروسية 1958، ص 322.

[12]. الآرتيل Artel شكل من اشكال التشارك الواسع الانتشار في روسيا، وهو شكل بسيط للتعاون الحر. ومن أبرز خصائصه تضامن وتكافل أعضائه تجاه الغير. انه، باختصار، «جمعية تعاونية تولد عفويا»، على حد تعبير انغلز، الذي ساجل ضد الفكرة الشعبوية الاصلية القائلة بأن المشاعة والآرتيل هما الاثبات الاكيد على أن الشعب الروي بطبيعته «اشتراكي» أو «شيوعي»، وانه بالإمكان الانتقال مباشرة من هذه وذاك إلى الاشتراكية دون المرور بالمرحلة الرأسمالية (انظر مارك-انغلز، حول روسيا، ترجمة جورج طرابشي، دار الطليعة، 1975، ص 113-115) –المترجم-.

[13]. يشير لينين هنا إلى دراسة له بعنوان «الاحصاء الحرفي للعام 1894-1895 في مقاطعة بيرم والقضايا العامة لـ«الصناعة اليدوية»، كتبها خلال منفاه السيبيري (آب/أغسطس-أيلول/سبتمبر 1897). وقد شكلت هذه الدراسة مادة تحضيرية استخدمها لينين لاحقا في «تطور الرأسمالية في روسيا» -المترجم-.


الفصل السادس
الفهرست

أرشيف فلاديمير لينين