تشي جيفارا

(1967-1928)


إرنستو “تشي” جيفارا ولد في 14 يونيو 1928 وتوفي في9 اكتوبر1967 المعروف باسم تشي جيفارا، ثوري كوبي ماركسي ارجنتيني المولد، كما أنه طبيب وكاتب وزعيم ثوري وقائد عسكري ورجل دولة عالمي وشخصية رئيسية في الثورة الكوبية.

سافر جيفارا عندما كان طالبا في كلية الطب في جامعة بوينس آيرس الذي تخرج منها عام 1953، إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية مع صديقه ألبيرتو غرانادو على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الكلية، وكونت تلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أمريكا الجنوبية وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين على المزارع اللاتيني البسيط، وتغير داخليا بعد مشاهدة الفقر المتوطن هناك.أدت تجاربه وملاحظاته خلال هذه الرحلة إلى استنتاج بأن التفاوتات الاقتصادية متأصلة بالمنطقة، والتي كانت نتيجة الرأسمالية الاحتكارية والاستعمار الجديد والإمبريالية.

رأى جيفارا أن العلاج الوحيد هو الثورة العالمية. كان هذا الاعتقاد الدافع وراء تورطه في الإصلاحات الاجتماعية في غواتيمالا في ظل حكم الرئيس جاكوبو أربينز غوزمان، الذي ساعدت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في نهاية المطاف على الإطاحة به مما سهل نشر ايديولوجية غيفارا الراديكالية.

بينما كان جيفارا يعيش في مدينة مكسيكو التقى هناك براؤول كاسترو المنفي مع أصدقائه الذين كانوا يجهزون للثورة وينتظرون خروج فيدل كاسترو من سجنه في كوبا. ما إن خرج هذا الأخير من سجنه حتى قرر جيفارا الانضمام للثورة الكوبية.

رأى فيدل كاسترو أنهم في أمس الحاجة إليه كطبيب، وانضم لهم في حركة 26 يوليو، التي غزت كوبا على متن غرانما بنية الإطاحة بالنظام الدكتاتورى المدعم من طرف الولايات المتحدة التي تدعم الديكتاتور الكوبى فولغينسيو باتيستا.

سرعان ما برز جيفارا بين المسلحين وتمت ترقيته إلى الرجل الثاني في القيادة حيث لعب دورا محوريا في نجاح حملة على مدار عامين من الحرب المسلحة التي أطاحت بنظام باتيستا.

في أعقاب الثورة الكوبية قام جيفارا بأداء عدد من الأدوار الرئيسية للحكومة الجديدة، وشمل هذا إعادة النظر في الطعون وفرق الإعدام على المدانين بجرائم الحرب خلال المحاكم الثورية، وأسس قوانين الإصلاح الزراعي عندما كان وزيرا للصناعة وعمل أيضا كرئيس ومدير للبنك الوطني ورئيس تنفيذى للقوات المسلحة الكوبية، كما جاب العالم كدبلوماسي باسم الاشتراكية الكوبية.

مثل هذه المواقف سمحت له أن يلعب دورا رئيسيا في تدريب قوات الميليشيات اللائي صددن غزو خليج الخنازير، كما جلبت إلى كوبا الصواريخ الباليستية المسلحة نوويا من الاتحاد السوفييتي عام 1962 التي أدت إلى بداية أزمة الصواريخ الكوبية.

بالإضافة إلى ذلك كان جيفارا كاتبا عاما يكتب يومياته كما ألف ما يشبه الكتيب لحياة حرب العصابات وكذلك ألف مذكراته الأكثر مبيعا في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية ، رحلة شاب على دراجة نارية.

غادر جيفارا كوبا في عام 1965 من أجل التحريض على الثورات ، الأولى الفاشلة في الكونغو كينشاسا ومن ثم تلتها محاولة أخرى في بوليفيا، حيث تم إلقاء القبض عليه من قبل وكالة الاستخبارات المركزية بمساعدة القوات البوليفية وتم إعدامه.

لا تزال شخصية جيفارا التاريخية تنال كلا من التبجيل والاحترام، مستقطبا المخيلة الجماعية في هذا الخصوص والعديد من السير الذاتية والمذكرات والمقالات والأفلام الوثائقية والأغاني والأفلام.

بل وضمنته مجلة التايم من ضمن المائة شخص الأكثر تأثيرا في القرن العشرين، في حين أن صورته المأخوذة من طرف ألبرتو كوردا والمسماة غيريليرو هيروويكو (أصل الاسم بالإسبانية ويعني باللغة العربية بطل حرب العصابات)، قد اعتبرت “الصورة الأكثر شهرة في العالم”.

النشأة

ولد إرنستو تشي جيفارا من أم اسمها سيليا دي لا سيرنا وأب اسمه إرنستو جيفارا لينش يوم 14 يونيو 1928 م في روساريو في الأرجنتين، وهو الأكبر بين خمسة أطفال في عائلة من أصول إيرلندية وإسبانية باسكية.

يظهر اسمه القانوني (إرنستو تشي غيفارا) نسبة إلى ألقاب والديه في بعض الأحيان مع إضافة دي لا سيرنا أو لينش له. في إسقاط الضوء على طبيعة تشي “غير المستقرة” ذكر والده أن “أول شيء يمكن أن نلاحظه هو أن ابني يجرى في عروقه دماء المتمردين الأيرلنديين.

في وقت مبكر جدا من الحياة، نمى أرنستيتو – كما كان يسمى جيفارا حينذاك – شعور التعاطف مع “الفقراء”.بحكم نشأته في أسرة ذات الميول اليسارية، كان جيفارا يتعامل مع طائفة واسعة من وجهات النظر السياسية. حتى في الوقت الذي كان فيه صبيا كان والده مؤيدا قويا للجمهوريين من الحرب الأهلية الإسبانية وغالبا ما استضاف العديد من اللقاءات بين قدامى المحاربين في منزله.

بالرغم من المعاناة من نوبات الربو الحادة التي كان يعانى منها جيفارا طوال حياته، إلا أنه برع كرياضي وتمتع بالسباحة ولعب كرة القدم والجولف والرماية، بل أصبح أيضا يقود الدراجات ولا يعرف الكلل ولا الملل، كان لاعبا متعطشا في الرجبي، ويلعب في خط النصف في فريق النادي الجامعي لبوينس آيرس أثناء لعبه للرغبي.

اكتسب لقب “فوزر” اختصارا “لفوريبوندو” – التي تعني بالعربية المشتعل – واسم عائلة والدته دي لا سيرنا، لأسلوبه العدواني في اللعب لقبوه زملاؤه في المدرسة أيضا “تشانكو” – التي تعني بالعربية الخنزير – لأنه نادرا ما كان يستحم، وكان يرتدى بفخر قميص “الأسبوع”.

حياته الفكرية واهتماماته الأدبية :

تعلم جيفارا الشطرنج من والده وبدأ في المشاركة في البطولات المحلية حين بلغ من العمر اثني عشر عاما. خلال فترة المراهقة وطوال حياته كان جيفارا متحمسا للشعر، وخصوصا للشاعر بابلو نيرودا، وجون كيتس، وأنطونيو ماتشادو، وفيديريكو غارسيا لوركا، وغبريالا ميسترال، وقيصر باييخو، ووالت ويتمان. وكان يمكنه اقتباس ابيات من الشعر لروديارد كبلنغ، وأيضا لخوسيه هيرنانديز عن ظهر قلب.

كان منزل جيفارا يحتوى على أكثر من ثلاثة آلاف كتابا، مما سمح له أن يكون قارئا متحمسا وانتقائيا، حيث اهتم بالقراءة عن كارل ماركس، وويليام فوكنر، وأندريه جيد، واميليو سالغارى، وبالأضافة إلى ذلك، كان جيفارا يقرأ أعمال جواهر لال نهرو، وفرانز كافكا، وألبير كامو ، وفلاديمير لينين، وجان بول سارتر، وكذلك أناتول فرانس، وفريدريك إنجلز، وهربرت جورج ويلز، وروبرت فروست.

عندما كبر جيفارا أصبح يهتم بالقراءة لكتاب أمريكا اللاتينية مثل هوراسيو كيروغا، وسيرو أليغريا، وخورخي إيكازا، وروبين داريو ، وميغيل استورياس.

قام جيفارا بتدوين أفكار العديد من هؤلاء الكتاب في كتاباته الخاصة بخط يده مع مفاهيمه وتعاريفه، وفلسفات المثقفين البارزين من وجهه نظره، وقام أيضا ببعض الدراسات التحليلية لبوذا، وأرسطو، بجانب دراسته لبرتراند راسل عن المحبة والوطنية ، والمجتمع من جاك لندن وفكرة نيتشه عن الموت.

فتنت جيفارا أفكار سيجموند فرويد حيث أخذ عنه في مجموعة متنوعة من المواضيع مثل الأحلام والرغبة الجنسية والنرجسية وعقدة أوديب ، شملت مواضيعه المفضلة في المدرسة، الفلسفة ، والرياضيات، والهندسة، والعلوم السياسية، وعلم الاجتماع ، والتاريخ، وعلم الآثار.

في 13 فبراير/ شباط عام 1958 ، نشرت وكالة المخابرات المركزية “السيرة الذاتية والتقرير الشخصي” السريين الذين أشارا إلى أن جيفارا كان يتمتع بخلفية متنوعة من الاهتمامات الأكاديمية والفكر، ووصفته بأنه “قارئ جيد” وعلقت “أن تشي مثقف رغم كونه من أصل لاتيني “.

رحلة الدراجة النارية

دخل جيفارا جامعة بوينس آيرس عام 1948م لدراسة الطب. وفي عام 1951م، أخذ إجازة لمدة سنة للشروع في رحلة يعبر فيها أمريكا الجنوبية على الدراجة النارية مع صديقه ألبيرتو غرانادو. كان الهدف النهائي يتمثل في قضاء بضعة أسابيع من العمل التطوعي في مستعمرة سان بابلو لمرضى الجذام في البيرو على ضفاف نهر الامازون. في الطريق إلى ماتشو بيتشو التي تقع عاليا في جبال الأنديز، شعر جيفارا بالذهول لشدة فقر المناطق الريفية النائية ، حيث يعمل الفلاحون في قطع صغيرة من الأراضي المملوكة من قبل الملاك الأثرياء.

في رحلته أبدى جيفارا إعجابه بالصداقة الحميمية بين أولئك الذين يعيشون في مستعمرات الجذام، قائلا “إنه أعلى أشكال التضامن البشري والولاء الذي ينشأ بين الناس في ظل الوحدة واليأس من هذا القبيل.

استخدم جيفارا المذكرات التي اتخذها خلال هذه الرحلة لكتابة كتاب بعنوان “يوميات دراجة نارية” والذي أصبح أفضل كتاب مبيعا كما وصفته نيويورك تايمز،حيث نال لاحقا جائزة في 2004م عن فيلم مقتبس منه يحمل نفس الاسم. وفي نهاية هذه الرحلة وصل جيفارا إلى استنتاج بأن أمريكا اللاتينية ليست مجموعة من الدول المنفصلة ، ولكنها كيان واحد يتطلب إستراتيجية تحرير على نطاق القارة. كان مفهومه عن الولايات المتحدة لقارة أمريكا من أصل إسباني بلا حدود والتي تتقاسم تراثا لاتينيا مشتركا، موضوعا بارزا تكرر خلال نشاطاته الثورية لاحقا.

لدى عودته إلى الأرجنتين أكمل دراسته وحصل على شهادة الطب في يونيو 1953م مما جعله رسميا “إرنستو جيفارا”، ومن خلال أسفاره إلى أمريكا اللاتينية، استنتج جيفارا وجود “اتصال وثيق بين الفقر والجوع والمرض” مع “عدم القدرة على علاج طفل بسبب عدم وجود المال” و”غيبوبة استفزاز الجوع المستمر والعقاب” التي تؤدي بالأب إلى “قبول فقدان الابن على أنه حادث غير مهم”.

أقنعت هذه التجارب التي يستشهد بها جيفارا، أنه من أجل “مساعدة هؤلاء الناس”، يحتاج إلى ترك مجال الطب ، والنظر في الساحة السياسية بحثا عن الكفاح المسلح.

الثورة الكوبية:

كانت الخطوة الأولى في خطة كاسترو الثورية الهجوم على كوبا من المكسيك عبر غرانما وهو مركب قديم يرشح. قاموا بتحديد يوم 25 نوفمبر 1956 للهجوم على كوبا. قام جيش باتيستا بالهجوم عليهم بعد الهبوط مباشرة، وقتل العديد من الإثنين والثمانين مقاتلا في الهجوم الذي وقع ولم ينج منهم سوى 22 رجلا، كتب جيفارا أنه خلال هذه المواجهة الدامية ألقى باللوازم الطبية والتقط صندوقا من الذخيرة من مخلفات أحد رفاقه الهاربيين وكانت هذه الخطوة الحاسمة حيث ترك نهائيا الطب وأصبح مقاتلا.

ظلت مجموعة صغيرة من الثوار على قيد الحياة لإعادة القوة القتالية الرثة للمجموعة في عمق جبال سييرا مايسترا حيث تلقت دعما من شبكة حرب العصابات في المدن، ومن فرانك باييس، وكذلك حركة 26 يوليو ، والفلاحين المحليين.

مع انسحاب المجموعة إلى سيراليون، تساءل العالم عما إذا كان كاسترو حيا أو ميتا حتى أوائل عام 1957 عندما تمت المقابلة مع “هربرت ماثيوز” وظهرت في مقال بصحيفة نيويورك تايمز، المقالة المقدمة قامت بتصوير دائم، شبه الأسطوري لصورة كاسترو ورجال حرب العصابات، لم يكن جيفارا حاضرا للمقابلة ، ولكنه في الأشهر المقبلة بدأ يدرك أهمية وسائل الاعلام في نضالهم.

في هذا الوقت كانت اللوازم في انخفاض وكذلك الروح المعنوية، وعانى جيفارا من حساسية بسبب لدغات البعوض التي أسفرت عن خراجات مؤلمة بحجم الجوز على جسده ، اعتبر جيفارا هذه المرحلة “الأكثر إيلاما في الحرب مع استمرار الحرب ، أصبح جيفارا جزأ لا يتجزأ من الجيش والمتمردين ، وأقنع كاسترو بقدراته ودبلوماسيته وصبره.

اقام جيفارا مصانع لتصنيع القنابل اليدوية ، وقام ببناء أفران لصنع الخبز ودرس المجندين الجدد التكتيكات، ونظم المدارس لتعليم الفلاحين الأميين القراءة والكتابة، وعلاوة على ذلك أنشئ جيفارا العيادات الصحية، وورش عمل لتعليم التكتيكات العسكرية، وصحيفة لنشر المعلومات.

عقل الثورة

الرجل الذي بعد ثلاث سنوات أطلقت عليه مجلة تايم لقب “عقل الثورة”، في هذه المرحلة تمت ترقيته من قبل فيدل كاسترو إلى القائد الثاني في الجيش ، باعتباره المحارب الوحيد في مرتبة قائد إلى جانب فيدل كاسترو.

كان جيفارا المسؤول كذلك عن تنفيذ أحكام الإعدام على الفور للرجال المتهمين بالتخابر أو الفارين أو الجواسيس في كثير من الأحيان. على الرغم من أن جيفارا حافظ على النظام القاسى والشديد إلا أنه كان ينظر لدور القائد كالمعلم، وكان يقوم بالترفية لرجاله أثناء فترات الراحة بين المناوشات وذلك بالقراءة لأمثال روبرت لويس ستيفنسون، وسرفانتس، والشعر الغنائي الإسباني.

وصف الضابط القائد الكوبي فيدل كاسترو جيفارا بأنه ذكي وجرئ وزعيم مثالي، والذي كان له سلطة معنوية كبيرة على قواته، لاحظ كاسترو كذلك أن جيفارا يقوم بالكثير من المخاطرات، حتى أن لديه ميل نحو التهور.

كان لجيفارا دورا أساسيا في إنشاء محطة إذاعية سرية اسمها راديو ريبيلدي، في فبراير عام 1958، كانت تبث الأخبار للشعب الكوبي مع تصريحات من جانب حركة 26 يوليو ، مما ساعد على توفير الاتصال اللاسلكي بين عدد متزايد من المتمردين في أنحاء الجزيرة.

كان من الواضح أن مصدر إلهام جيفارا لإنشاء محطة كان من خلال مراقبة فعالية وكالة المخابرات المركزية التي قدمت إذاعة لجواتيمالا لإسقاط حكومة جاكوبو أربينز غوزمان.

في أواخر يوليو عام 1958، لعب جيفارا دورا حاسما في معركة لاس مرسيدس باستخدام مجموعة محاربين لوقف استدعاء ألف وخمسمائة رجل من قبل باتيستا كانوا ضمن خطة لتطويق وتدمير قوات كاسترو. بعد سنوات قام الميجور لاري بوكمان من قوات المشاة البحرية الأمريكية بالتحليل وتقدير ووصف تكتيكات تشي لهذه المعركة بأنها رائعة.

خلال هذا الوقت أيضا أصبح جيفارا الخبير الرائد في تكتيكات الكر والفر ضد جيش باتيستا حيث كان يقوم بالضرب ثم يتلاشى مرة أخرى في الريف قبل تمكن الجيش من الهجوم المضاد، مع استمرار الحرب قام جيفارا بقيادة مجموعة جديدة من المقاتلين غربا للقيام بدفعة نهائية تجاه هافانا، قام جيفارا بالسفر مشيا على الأقدام واستغرق الأمر 7 أسابيع شاقة ، حيث كان يتحرك ليلا فقط لتجنب الكمائن، وكثيرا كان لا يأكل لعدة أيام.

في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر عام 1958 كان على جيفارا مهمة قسم الجزيرة إلى قسمين عن طريق الاستيلاء على مقاطعة لاس فيلياس، في غضون بضعة أيام نفذ سلسلة انتصارات تكتيكية رائعة سمحت له بالسيطرة على جميع المقاطعات، ولكن دون العاصمة سانتا كلارا.

توجه جيفارا بكتيبته الانتحارية للهجوم على سانتا كلارا، التي أصبحت النهاية الحاسمة للإنتصار العسكري للثورة. في الأسابيع الستة التي سبقت معركة سانتا كلارا كانت هناك أوقات كانوا الرجال محاطين بالكامل، والعدد متفوق عليهم وكادوا يغلبون، أنتصر تشي في نهاية المطاف على الرغم من الصعاب الهائلة والتفوق العددي للعدو الذي وصل إلى 10:1 وهذه المعارك تظل في رأي بعض المراقبين حرب قوة ملحوظة ورائعة في الحروب الحديثة.

بث راديو ريبيلدي التقارير الأولى لنجاح قوات جيفارا في احتلال سانتا كلارا ليلة رأس السنة عام 1958، تناقض هذا مع التقارير التي تخضع للرقابة المشددة الصادرة من وسائل الإعلام بالأخبار الوطنية الذين في مرحلة من المراحل أعلنوا عن وفاة جيفارا أثناء القتال.

في الساعة 3 صباحا في 1 يناير عام 1959 تم التفاوض على سلام منفصل مع جيفارا وصعد باتيستا على طائرة في هافانا وهرب إلى الجمهورية الدومينيكية مع ثروته التي تقدر بأكثر من 300 مليون دولار عن طريق الكسب غير المشروع والرشاوى .

في يوم 2 يناير دخل جيفارا إلى هافانا للسيطرة النهائية على العاصمة استغرق فيدل كاسترو أكثر من 6 أيام حتى وصل ، وذلك لتوقفه لحشد الدعم في عدة مدن كبيرة في طريقه إلى هافانا في 8 يناير عام 1959.

في فبراير أعلنت الحكومة الثورية جيفارا مواطنا كوبيا تقديرا لدوره في الانتصار ، صدر قانون يعطي الجنسية والمواطنة الكاملة لكل من حارب مع الثوار برتبة عقيد، ولم توجد هذه المواصفات سوى في جيفارا الذي عين مديرا للمصرف المركزي وأشرف على محاكمات خصوم الثورة وبناء الدولة في فترة لم تعلن فيها الثورة عن وجهها الشيوعي.

ما أن أمسكت الثورة بزمام الأمور – وبخاصة الجيش – حتى قامت الحكومة الشيوعية التي كان فيها جيفارا وزيرا للصناعة ، وممثلا لكوبا في الخارج ومتحدثا باسمها في الأمم المتحدة.

عندما وصلت زوجته هيلدا جاديا إلى كوبا في أواخر شهر يناير قال جيفارا لها أن له علاقة مع امرأة أخرى واتفقا على الطلاق الذي تم يوم 22 مايو ، وفي يوم 2 يونيو عام 1959 تزوج من أليدا مارش، وهي عضو كوبي المولد من حركة 26 يوليو ، والتي كان يعيش معها منذ 1958.

نضالاته

كره تشي اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه. ولأنه الوحيد الذي درس فعلا أعمال كارل ماركس بين قادة حرب العصابات المنتصرين في كوبا، فإنه كان يحتقر التحريفيين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا.

كشف (آي إف ستون) كيف انهمك تشي جيفارا في نقاش علني، أثناء مؤتمر في مدينة بونتي ديل استي بالأوروجواي مبكرا في 1961 (وهو المولود في الأرجنتين حيث درس الطب هناك) مع بعض شباب اليسار الجديد من نيويورك. أثناء تلك المناقشة، مر بهم اثنان من جهاز الحزب الشيوعي الأرجنتيني. لم يستطع جيفارا أن يمنع نفسه من الصياح بصوت عال، “هيي ، لماذا أنتم هنا ، أمن أجل أن تبدأوا الثورة المضادة؟”.

مثل تشي الكثيرين في الحركة الناشئة إرادتهم على الحركات الثورية للسكان الأصليين. وبالفعل فإن الثورة في كوبا، على عكس المفاهيم المعاصرة للكثيرين في الولايات المتحدة اليوم، كانت مستقلة، وفي بعض الأحيان معارضة للحزب الشيوعي الكوبي.

ولقد أخذ بناء مثل هذه العلاقة -التي لم يكن من السهل صنعها- عدة سنوات فقط بعد الثورة ونجحت في أخذ سلطة الدولة وتأسيسها، دافعة إلى الاندماج بين القوى الثورية والحزب -الاندماج الذي لم يضع نهاية لمشاكل جيفارا والثورة الكوبية نفسها.

إحدى تلك المشاكل هي اعتماد كوبا المتزايد على الاتحاد السوفيتي (في بعض الأوجه يماثل الاعتماد المتزايد لبعض المنظمات الراديكالية على منح المؤسسات في صورة أموال ولوازم لولبية أخرى). قررت الحكومة أثناء احتياجها اليائس للنقد من أجل شراء لوازم شعبها الضرورية -وبعد نقاش مرير- قررت أن تضيع فرصة تنويع الزراعة في كوبا من أجل التوسع في محصولها النقدي الرئيسي، قصب السكر، الذي يتم تبادله أمام البترول السوفيتي، لتستهلك جزء من هذا البترول وتعيد بيع الباقي في السوق العالمي. وبالتدريج فقدت كوبا، بالرغم من تحذيرات تشي (والآخرين)، القدرة على إطعام شعبها نفسه -وهي المشكلة التي بلغت أبعادا مدمرة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.

وهي نفس الأزمات التي أحدقت بالاتحاد السوفيتي والدول التي كان معترفا بها كدول اشتراكية عندما سعوا وراء النموذج الصناعي للتنمية وحاولوا أن يدفعوا ثمنه بالإنتاج والتنافس في السوق العالمي. كان رد فعل تشي: لا تنتج من أجل السوق العالمي. ارفض تحليلات التكلفة/المنفعة (cost/benefit) كمعيار لما ينبغي إنتاجه.

آمن تشي بأن المجتمع الجديد حقيقة، وعليه أن يجعل طموحه هو ما يحلم به شعبه من أجل المستقبل، وأن يعمل على تنفيذه فورا في كل أوان ومكان. وحتى تبلغ ذلك، على الثورات الشيوعية أن ترفض معيار “الكفاءة” وعليها أن ترعى المحاولات المجتمعية المحلية حتى تخلق مجتمعا أكثر إنسانية بدلا من ذلك.

اختفاؤه

نشرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية شائعات تدعي فيها اختفاء إرنستو جيفارا في ظروف غامضة، ومقتله على يد زميله في النضال القائد الكوبي فيدل كاسترو، مما اضطر الزعيم الكوبي للكشف عن الغموض الذي اكتنف اختفائه من الجزيرة للشعب الكوبي ، فأدلى بخطابه الشهير الذي ورد في بعض أجزائه ما يلي:

لدي هنا رسالة كتبت بخط اليد ، من الرفيق إرنستو جيفارا يقول فيها: أشعر أني أتممت ما لدي من واجبات تربطني بالثورة الكوبية على أرضها، لهذا أستودعك، وأستودع الرفاق، وأستودع شعبك الذي أصبح شعبي. أتقدم رسميا باستقالتي من قيادة الحزب، ومن منصبي كوزير، ومن رتبة القائد، ومن جنسيتي الكوبية، لم يعد يربطني شيء قانوني بكوبا.

التخلي عن مناصبه

في أكتوبر 1965 أرسل غيفارا رسالة إلى كاسترو تخلى فيها نهائيا عن مسؤولياته في قيادة الحزب، وعن منصبه كوزير، وعن رتبته كقائد، وعن وضعه ككوبي، إلا أنه أعلن عن أن هناك روابط طبيعة أخرى لا يمكن القضاء عليها بالأوراق الرسمية، كما عبر عن حبه العميق لكاسترو ولكوبا، وحنينه لأيام النضال المشترك.

أكدت هذه الرسالة إصراره على عدم العودة إلى كوبا بصفة رسمية ، بل كثائر يبحث عن ملاذ آمن بين الحين والآخر. ثم أوقف مساعيه الثورية في الكونغو وأخذ الثائر فيه يبحث عن قضية عالمية أخرى. وقد قال التشي في ذلك: إن الثورة تتجمد وإن الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون فوق الكراسي، وأنا لا أستطيع أن أعيش ودماء الثورة مجمدة داخلي.

اعتقال وإعدام

تحول فيليكس رودريغيز، وهو منفي كوبي إلى مخبر لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في قسم النشاطات الخاصة، وساعد القوات البوليفية أثناء مطاردتها لجيفار في بوليفيا.

في يوم 7 أكتوبر أبلغ مخبرا القوات البوليفية الخاص بموقع جيفارا وفرقته في معسكر بواد جورو ، قامت القوات بمحاصرة المنطقة ، وجرح جيفارا وأسر حين كان يحاول قيادة الفرقة مع “سيمون كوبا سارابيا”.

ذكر “جون لي اندرسون” كاتب سيرة تشي في تقاريره عن رواية الرقيب البوليفي برناردينو اوانكا: أن جيفارا أصيب مرتين وعندما أصبحت بندقيته عديمة الفائدة هتف “لا تطلقوا النار! أنا تشي جيفارا، وأساوى حيا أكثر من ميتا، تم تقييد جيفارا واقتيد إلى مبنى مدرسة متهالك بني من الطين في قرية قريبة من قرية لاهيغويرا مساء يوم 7 أكتوبر، بعد يوم ونصف رفض جيفارا أن يتم استجوابه من قبل ضباط بوليفيين، وتكلم بهدوء إلى الجنود البوليفيين فقط ، واحد من هؤلاء الجنود البوليفيين كان قائد طائرة هليكوبتر يسمى “نينو خايمي دي جوزمان” وصف حالة تشي أنها ” مروعة ”، ووفقا لجوزمان أطلق الرصاص على غيفارا في ربلة الساق اليمنى وشعره كان متعقد بالتراب، وكانت ملابسه ممزقة وقدميه كانتا مغطاتين بأغماد الجلود الخشنة، وعلى الرغم من مظهره المنهك يروي جوزمان أن ”تشي رفع رأسه عاليا ونظر للجميع مباشرة ولم يسأل عن شيء إلا “الدخان”.

يقول دي غوزمان إنه “أشفق” عليه وأعطاه حقيبة صغيرة من التبغ ، ثم ابتسم جيفارا وشكره في ليلة 8 أكتوبر قام جيفارا على الرغم من كونه مقييد من يديه بركل الضابط البوليفي اسبينوزا على الحائط، بعد أن حاول الضابط انتزاع غليون جيفارا من فمه كتذكار.

في مثال آخر للتحدي، بصق جيفارا في وجه الأميرال البوليفي اوجاتاشى قبل إعدامه بوقت قصير في صباح 9 تشرين الأول/أكتوبر طلب جيفارا مقابلة (مدرسة) من القرية، وهي جوليا كورتيز التي تبلغ من العمر 22 عاما، كورتيز ذكرت في وقت لاحق أنها وجدت جيفارا ” رجل مظهره مقبول ولديه نظرة بسيطة ولمحة من السخرية ” وخلال المحادثة وجدت نفسها غير قادرة على النظر في عينيه مباشرة لأن النظرة كانت لا تطاق، خارقة وهادئة.

وفي صباح ذلك اليوم يوم 9 أكتوبر أمر الرئيس البوليفي رينيه باريينتوس بقتل جيفارا، كان الجلاد يدعى ماريو تيران رقيب نصف مخمور في الجيش البوليفي الذي كان قد طلب إطلاق النار على تشي استنادا إلى حقيقة أن ثلاثة من أصدقائه يدعون “ماريو” من الفرقة (ب)، قد قتلوا في وقت سابق من قبل عصابة جيفارا المسلحة خلال الاشتباكات ، لجعل الأعيرة النارية متسقة مع القصة التي كانت الحكومة تخطط بنشرها للجمهور، أمر فيليكس رودريجيز بإطلاق النار بعشوائية حتى يبدو أن جيفارا قد قتل في خلال اشتباك مع الجيش البوليفي.

قبل لحظات من إعدام غيفارا سأل عما إذا كان يفكر في حياته والخلود. أجاب: “لا أنا أفكر في خلود الثورة”.ثم قال تشي جيفارا للجلاد ” أنا أعلم أنك جئت لقتلي أطلق النار يا جبان انك لن تقتل سوى رجل، تردد تيران، ثم أطلق النار من بندقيته النصف آلية، لتصيب جيفارا في الذراعين والساقين، ثم سقط جيفارا على الأرض وعلى ما يبدو قضم رباط معصميه ليتجنب الصراخ ، ثم أطلقت عدة أعيرة أخرى ، مما أدى إلى إصابه قاتلة في الصدر الساعة 1:10 هذا كله وفقا لرودريجيز.

اصيب جيفارا بتسعة أعيرة نارية في مجموعهم ، شمل هذا على خمس مرات في الساقين، مرة واحدة في كتفه الأيمن والذراع الأيمن ، ومرة واحدة في صدره ، وطلقه واحدة بالحلق.

الإرث الثقافي

مر أكثر من خمسون عاماَ على إعدامه، وتراث تشي وحياته لا يزالان مسألة خلاف. نقاط متناقضة مختلفة من حياته خلقت الطابع المعقد الازدواجي اللانهائي، نتيجة لاستشهادة وأولائك المتذرعين بالشعرية للصراع الطبقي والرغبة في خلق وعي جديد لرجل يقودها من الجانب الأخلاقي بدلا من أجل الحوافز المادية ، تحول غيفارا إلى الرمز المثالي للحركات اليسارية.

قد تنظر مجموعة لتشي جيفارا باعتباره بطلا، على سبيل المثال أشار نيلسون مانديلا بأنه “مصدر إلهام لكل إنسان يحب الحرية، في حين وصفه جان بول سارتر بأنه “ليس فقط مثقف ولكنه أيضا أكمل إنسان في عصرنا.

ومن الذين أبدوا إعجابهم بجيفارا أيضا الكاتب جراهام جرين الذي لاحظ أن تشي “يمثل فكرة الشهامة والفروسية والمغامرة” وسوزان سونتاغ التي شرحت أن “هدف (تشي) ليس أقل من القضية الإنسانية نفسها في المجتمعات السوداء” وأعلن الفيلسوف فرانز فانون جيفارا “رمزا للعالم عن إمكانيات رجل واحد”، في حين أن حزب الفهود السود ورئيسها ستوكلي كارمايكل نعى قائلا “تشي جيفارا لم يمت، أفكاره لا تزال معنا”.

الثناء انعكس على جميع أنحاء الطيف السياسي، مع الرأسمالية التحرري المنظر موراي روثبارد، مجد جيفارا على أنه شخصية “بطولية” معربا عن أسفه لوفاته “أكثر من أي رجل في عصرنا أو حتى في قرننا هذا، (تشي) كان تجسيدا حيا لمبدأ الثورة”، في حين أن الصحفي كريستوفر هيتشنز علق بأن “موت تشي كان يعني الكثير بالنسبة لي ولعدد لا يحصى أيضا من أمثالي في ذلك الوقت، كان نموذجا يحتذى به ، وإن كان واحد من المستحيلات بالنسبة لنا البرجوازيين الرومانسيون حيث ذهب وقام بما يفعله الثوار حارب ومات بسبب معتقداته”، لا يزال جيفارا البطل الوطني المحبب للكثيرين في كوبا، مازالت صورته تزين البيزو الكوبي وطلاب المدارس يتعهدون كل صباح قائلين “سنكون مثل تشي”.

في وطنه الأصلي الأرجنتين، تحمل مدارس ثانوية اسمه، والعديد من المتاحف المنتشرة في البلاد تحمل اسمه، في عام 2008 تم كشف النقاب عن تمثال البرونز 12 قدم له في مدينة روزاريو، محل ولادته بالإضافة إلى ذلك جيفارا تم تنصيبه كقديس من قبل بعض الفلاحين البوليفيين باسم “سانت ارنستو” الذين يصلون له من أجل المساعدة.

وعلى العكس تماما ينفي ماكوفر أحد كتاب سيرته الذاتية، كونه بطلا يستحق العبادة ، ويصوره على أنه الجلاد الذي لا يرحم يجادل المعارضون بأن في كثير من أنحاء أميركا اللاتينية، الثورات المستوحاة من تشي كانت نتيجة عملية لتعزيز النزعة العسكرية الوحشية والصراع الداخلي لسنوات عديدة.

ألفارو فارجاس لوسا من إحدى المعاهد المستقلة افترض أن أتباع جيفارا المعاصرون “يخدعون أنفسهم بالتشبث بخرافة” بينما وصف جيفارا بأنه البروتستانتي الماركسي الذي استخدم سلطته العقائدية لقمع المعارضة، في حين عمل أيضا بدم بارد مما أسفر عن قتل.كما اتهم لوسا جيفارا “بالمتصرف المتعصب” باعتباره الركيزة الأساسية للسوفيات في الثورة الكوبية، وتكهن بأنه تابع مجموعة من الواقعية تؤمن بالعقيدة الايديولوجية العمياء.

الرمز والأسطورة

عام 1968، غضب شبان العالم وخرجوا إلى الشوارع معلنين أنهم يستطيعون إنهاء الحروب وتغيير ملامح العالم ، وقد تحول هذا الرجل الثائر بعد موته إلى شهيد لقضاياهم. أصبح يمثل أحلام ورغبات الملايين ممن يحملون صوره. علما أنه كان يمثل أيضا مجموعة من التناقضات، وكأن الموت حول ملامحه، ما يوحي بأنه لو منحه أعداؤه الحق في الحياة، لربما عجزت أسطورته عن احتلال هذا المدى العالمي الذي تنعم به اليوم.

كمعظم الشباب اليساريين في فترات الدراسة في النصف الأول من القرن الماضي، مارس جيفارا الكتابة شعرا ونثرا، ومن أعماله قصيدة ماريا العجوز التي تكشف عن جانب من شخصية جيفارا

ماريا العجوز ستموتي أحدثك بجدية.

كانت حياتك مسبحة من الصعاب.

اسمعي ايتها الجدة البروليتارية

فلتؤمني بالإنسان الاتي

فلتؤمني بالمستقبل الذي لن ترين

لا تصلي لرب قاسي

انكر عليك حياة الامل

ولا تطلبي الموت رحمة

لتشاهدي غزلانك الهجين تكبر

لا تفعليها لا تفعليها.

المصدر: نص مادة السيرة الذاتية لـ "تشي جيفارا" عن اليسار اليوم.