9- برنامج عام 1903 ومصفوه

أصبحت اليوم محاضر مؤتمر عام 1903، الذي أقر برنامج الماركسيين في روسيا، من الوثائق النادرة جدا. ولذا فإن الأكثرية الكبرى من المناضلين الحاليين في حركة العمال تجهل الأسباب التي من أجلها وضعت مختلف نقاط هذا البرنامج (لا سيما وأن ليس جميع الكتابات الخاصة به تتمتع بنعم العلنية...). ولهذا فمن الضروري أن ندرس كيف حلل مؤتمر عام 1903 هذه القضية التي تهمنا.

ونلاحظ، في بادئ الأمر، أن الكتابات الاشتراكية-الديموقراطية الروسية التي تبحث في "حق الأمم في تقرير مصيرها" تدل بوضوح، رغم قلتها، على أن معنى هذا الحق كان يفهم دائما كحق الانفصال. وأن السادة سيمكوفسكي وليبمان ويوركيفتش وإضرابهم الذين يشكون في ذلك ويصرحون بأن الفقرة التاسعة "ينقصها الوضوح"... الخ، لا يتحدثون عن هذا إلا بسبب جهلهم الفاضح أو لامبالاتهم. فمنذ عام 1902، دافع بليخانوف في جريدة "زاريا" عن مبدأ "حق تقرير المصير" الوارد في مشروع البرنامج وكتب يقول أن هذا المطلب، الذي كان غير اجباري بالنسبة إلى الديموقراطيين البرجوازيين، هو « اجباري بالنسبة إلى الاشتراكيين-الديموقراطيين ». ثم اضاف قوله: « فلو اهملناه وخشينا من الافصاح عنه خوفا من صدم الاوهام القومية لدي مواطنينا من ابناء القبيلة الروسية لكان نداء.. " يا عمال العالم اتحدوا !" نفاقا مخجلا في أفواهنا ».(1) وهذا وصف موفق جدا في صالح البرهان الأساسي الذي يدعم النقطة التي نبحثها ووصف موفق إلى حد أن ليس من باب الصدفة أن أهمله نقاد برنامجنا الذين نسوا نسبهم وما زالوا يهملونه وجلين. فإن التخلي عن هذه النقطة، مهما كانت الدوافع التي يمكن التذرع بها، معناه، في الواقع تراجع مخجل أمام نزعة التعصب القومي الروسي. ولكن لماذا نقول الروسي، مادمنا نتكلم عن حق جميع الأمم في تقرير مصيرها ؟ إننا نقول ذلك لأن المراد هنا هو الانفصال عن الروس.

إن مصلحة "اتحاد البروليتاريا" مصلحة تضامنها الطبقي تتطلب الاعتراف بحق الأمم في الانفصال، وهذا ما اعترف به بليخانوف، منذ اثني عشر عاما، في العبارات التي ذكرناها. ولو أن أصحابنا الانتهازيين فكروا فيها مليا، لما تفوهوا، أغلب الظن، بذلك السيل من الحماقات حول حرية تقرير المصير.

كانت معظم الأعمال، في مؤتمر عام 1903 الذي صودق فيه على مشروع البرنامج هذا، الذي دافع عنه بليخانوف، تجري في "لجنة البرنامج"، التي لم تسجل محاضرها لسوء الحظ.

ولكن هذه المحاضر كان يمكن أن تفيدنا كثيرا فيما يتعلق بهذه النقطة بالضبط. وذلك لأن مندوبي الاشتراكيين-الديموقراطيين البولونيين فارتسافكي وهانيسكي، حاولا في اجتماعات تلك اللجنة دون سواها، أن يدافعا عن وجهات نظرهما، وأن يعارضا الاعتراف بحق حرية تقرير المصير.

فإن القارئ الذي يرغب في المقارنة بين براهينهما الواردة في خطاب فارتسافسكي وفي التصريح المشترك الذي أدلي به مع هانيسكي (راجع الصفحات "134 – 135 و388 – 390 من المحاضر) وبين البراهين التي قدمتها روزا لوكسمبورج في مقالها البولوني الذي حللناه آنفا، يلاحظ التشابه التام بين هذه الحجج.

وماذا كلان موقف لجنة المؤتمر في المؤتمر الثاني من تلك الحجج حيث حمل بليخاتوف أكثر من غيره على الماركسيين البولونيين.. لقد وقفت منهما موثقف السخرية اللاذعة ! وقد بدت بجلاء ووضوح حماقة الاقتراح الذي يدعو ماركسيي روسيا أن يطرحوا جانبا الاعتراف بحق الأمم في تقرير مصيرها إلى درجة أن الماركسيين البولونيين، لم يجرؤوا حتي على ترديد براهينهم أمكام هيئة المؤتمر العمومية ! ! فغادروا بعد أن اقتنعوا بيأس موقفهم أمام على هيئة للماركسيين من روس ويهود وجورجيين وارمن.

ولا شك أن هذا الحادث التاريخي يتمتع بأهمية كبيرة جدا في نظر كل امرئ يحرص صادقا على برنامجه هو. إن تحطيم حجج الماركسيين البولونيين تحطيما تاما في جلسات لجنة البرنامج في المؤتمر، وعدولهم عن إبداء أي محاولة للدفاع عن آرائهم أمام هيئة المؤتمر العامة، أمران لهما دلالة عميقة جدا. وليس من باب الصدفة أن روزا لوكسمبورج لجأت إلى السكوت عن هذا بتواضع في مقالها عام 1908. ويظهر أن ذكريات المؤتمر كانت تزعجها كثيرا ! وقد تجنبت الكلام أيضا عن ذلك الاقتراح السخيف التعس الذي قدمه فارتسافسكي وهانيسكي عام 1903 باسم جميع الماركسيين البولونيين، وطلبا فيه تعديل الفقرة التاسعة من البرنامج، والذي لم تجرؤ ولن تجرؤ روزا لوكسمبورج ولا غيرها من الاشتراكيين-الديموقراطيين البولونيين على ترديده.

ولكن إذا كانت روزا لوكسمبورج، قد لزمت الصمت حول هذه الأمور، لكي تستر الهزيمة التي منيت بها عام 1903، فإن الذين يهتمون بتاريخ حزبهم سيسعون إلى معرفة تلك الأمور وإلى التفكير مليا في أهميتها.

كتب أصدقاء روزا لوكسمبورج إلى المؤتمر عام 1903. عندما غادروه قائلين :

« إننا نقترح أن تصاغ الفقرة السابعة من مشروع البرنامج (التي أصبحت اليوم الفقرة التاسعة) على الشكل التالي: الفقرة السابعة – مؤسسات تضمن حرية التطور الثقافي التامة لجميع الأمم التي تؤلف الدولة. » (صفحة 390 من المحاضر).

وهكذا يتبين ان الماركسيين البولونيين كانوا يبدون يومئذ، فيما يتعلق بقضية القومياتن، آراء غاية في الابهام، إلى درجة أنهم كانوا يقترحون في الواقع، بدلا من حرية تقرير المصير، صيغة مستعارة من شعار "استقلال الثقافة القومية الذاتي" المزعوم !

إن الأمر ليبدو بعيد التصديق، ولكنه حقيقة واقعة، مع الأسف.

وعلي الرغم من أن المؤتمر كان يضم خمسة من البولنديين يتمتعون بخمسة أصوات، وثلاثة من القفقاسيين يتمتعون بستة أصوات، فضلا عن صوت استشاري هو صوت كوستروف، على الرغم من ذلك كله، لم يكن هناك أي صوت إلى جانب حذف الفقرة المتعلقة بحرية تقرير المصير. وقد جاءت ثلاثة أصوات فقط إلى جانب اضافة جملة "استقلال الثقافة القومية الذاتي" على تلك الفقرة (وفقا لصيغة جولد بلات: « انشاء مؤسسات تضمن للأمم حرية التطور الثقافي التامة »). وأيدت أربعة أصوات صيغة ليبر (« اعطاؤها – أي الأمم – الحق في تطور ثقافي حر »).

أما الآن وقد ظهر حزب ليبرالي روسي، وهو حزب الدستوريين-الديموقراطيين (الكاديت)، فإننا نعرف أن حرية الأمم في تقرير مصيرها السياسي، قد استعيض عنها في برنامجه، بـ"حرية تقرير المصير الثقافي" وهذا يعني أن أصدقاء روزا لوكسمبورج البولونيين الذين عكفوا على محاربة التعصب القومي عند الحزب الاشتراكي البولوني، قد برعوا في تلك الحرب إلى درجة أنهم اقترحوا معها الاستعاضة عن البرنامج الماركسي ببرنامج ليبرالي وراحوا بعد ذلك يتهمون برنامجنا بالانتهازية.

فهل ثمة مجال للدهشة إذا استقبلت لجنة البرنامج، التي ألفها المؤتمر الثاني، هذه التهمة بالضحك فقط !

وكيف فهم مندوبو المؤتمر الثاني "حرية تقرير المصير" ؟ لقد رأينا فيما تقدم أن أحدا منهم لم يتخذ موقفا ضد "حرية تقرير مصير الأمم".

وتوضح لنا ذلك المكقاطع الثلاثة التالية من المحاضر:

« يرى مارتينوف أنه ليس بالإمكان إعطاء تفسير شامل لعبارة "حرية تقرير المصير". فهي تعني بكل بساطة حق الأمم في الإعتزال في كيان سياسي مستقل، ولا تعني، أبدا، استقلالا ذاتيا في مناطق (صفحة 171). كان مارتينوف في ذلك الحين عضوا في لجنة البرنامج التي فندت حجج أصدقاء روزا لوكسمبورج وسخرت منها. وكان يومئذ، في مفاهيمه من "الاقتصاديين" وخصما لدودا "للايسكرا" فلو أنه أبدى رأيا غير رأي أكثرية أعضاء لجنة البرنامج، لفند رأيه حتما.

وعندما انتقل المؤتمر، بعد انتهاء أعمال اللجنة، إلى بحث الفقرة الثامنة من البرنامج (التي أصبحت اليوم الفقرة التاسعة) كان البولندي جولد بلات أول المتكلمين فقال:

« لا يمكن الاعتراض بشيء على "حق حرية تقرير المصير". فإذا ناضلت أمة ما من أجل استقلالها، فلا تجوز معارضتها في ذلك. وإذا أبت بولونيا أن تعقد زواجا شرعيا مع روسيا، فيجب عدم اعاقتها في ذلك كما قال الرفيق بليخانوف – وأنا أوافق على وجهة نظره، ضمن هذه الحدود. » (صفحة 175 و176).

إن بليخانوف لم يقل شيئا في هذا الموضوع أمام الهيئة العامة للمؤتمر. ولكن جولد بلات استشهد بما قاله بليخانوف أمام لجنة البرنامج، حيث فسر "حق حرية تقرير المصير" تفسيرا مسهبا شعبيا، بأنه حق الانفصال. وقد أشار ليبر الذي تكلم بعد جولد بلات، إلى أنه:

« إذا لم تستطع قومية من القوميات أن تعيش ضمن حدود روسيا فالحزب لن يعارضها بالطبع في ذلك. » (صفحة 176).

وهكذا يرى القارئ أنه لم يكن، في مؤتمر الحزب الثاني الذي أقر البرنامج، رأيان بصدد الاعتراف بأن حرية تقرير المصير إنما تعني فقط حق الانفصال، حتى لقد اقتنع البونديين أنفسهم يومئذ بهذه الحقيقة، ولكننا في عصرنا السيء الذي يطغى فيه التيار المعادي للثورة بصورة مستمرة، ويظهر فيه التنكر والجحود على اختلاف أنواعهما، نرى أناسا يحفزهم الجهل ويدفعهم إلى التصريح بأن برنامجنا "خال من الوضوح" على أننا قبل أن نكرس وقتنا لأولئك المساكين من "الاشتراكيين الديموقراطيين هم أيضا" سننهي كلامنا بالحديث عن موقف البولونيين من البرنامج.

لقد جاؤوا إلى المؤتمر الثاني (1903) وهم يصرحون بأن التوحيد قضية ضرورية وملحة. ولكنهم غادروا المؤتمر بعد اخفاقاتهم في لجنة البرنامج وكانت كلمتهم الأخيرة تقريرا خطيا نشر في محاضر المؤتمر، وتضمن الاقتراح الآنف الذكر: الاستعاضة عن حرية تقرير المصير، باستقلال الثقافة القومية الذاتي.

ثم جاء عام 1906 وانضم الماركسيون البولونيون إلى الحزب. ولكنهم لم يتقدموا مرة بي اقتراح لتعديل الفقرة التاسعة من البرنامج الروسي، لا عند دخولهم الحزب ولا بعده (ي لا في المؤتمر عام 1907، ولا في المجلسين العامين اللذين عقدا في عامي 1907 و1908، ولا في الدورة التي التأمت عام 1910) ! !

هذا أمرر واقع.

وهو أمر يبين بوضوح أن اصدقاء روزا لوكسمبورج، على الرغم من جميع الأقوال والتأكيدات، اعتبروا أن القضية قد فرع منها عند بحثها في لجنة برنامج المؤتمر الثاني، وانتهت بالقرار الذي اتخذه ذلك المؤتمر. كما يبين أنهم أقروا بخطئهم ضمنا وأصلحوه بانضمامهم. في عام 1906 إلى صفوف الحزب، بعد أن غادروا المؤتمر في عام 1903. ولم يحاولوا أبدا إثارة مسألة إعادة النظر في الفقرة التاسعة من البرنامج، عن طريق الحزب.

ثم صدر مقاتل روزا لوكسمبورج بتوقيعها في سنة 1908 – وبالطبع لم يخطر على بال أحد منا أبدا أن ينكر على كتاب الحزب حق انتقاد البرنامج، ولكن بعد ذلك المقال أيضا.

لم تثر أية منظمة رسمية من منظمات الماركسيين البولونيين قضية إعادة النظر في الفقرة التاسعة.

ولم تكن خدمة إذن تلك التي أداها تروتسكي لبعض المعجبين بروزا لوكسمبورج، وذلك عندما كتب باسم هيئة تحرير "بوربا" في عددها 2 مارس – 1914:

« يري الماركسيون البولونيين أن "حق حرية تقرير المصير القومي" خال تماما من كل فحوى سياسي ويجب طرحه من البرنامج. » (صفحة 25) .

إن تروتسكي المخلص لأشد خطرا من العدو ! فهو لم يستطع أن يجد في أي مصدر، إلا في "المحادثات الخاصة" (أي في تلك الثرثرات التي يعيش منها تروتسكي دائما) أدلة تسمح له بأن يصنف "الماركسيين البولونيين" عموما بين أنصار كل مقال من مقالات روزا لوكسمبورج. لقد صور تروتسكي "الماركسيين البولونيين" كأناس لا شرف لهم ولا وجدان، ولا يعرفون حتي احترام عقائدهم الخاصة وبرنامج حزبهم. ويالتروتسكي من رجل مخلص !

ولما غادر ممثلوا الماركسيين البولونيين، في عام 1903، المؤتمر الثاني بسبب الخلاف حول حق حرية تقرير المصير، كان بوسع تروتسكي حينذاك أن يقول أنهم رأوا في ذلك الحق فقرة لا فحوي لها ويجب حذفها من البرنامج.

ولكن الماركسيين البولونيين انضموا بعد ذلك إلى صفوف الحزب الذي أقر ذلك البرنامج. ولم يقترحوا أبدا عادة النظر فيه (2).

فلماذا أخفي تروتسكي هذه الوقائع عن قراء مجلته ؟ لقد اخفاها لسبب واحد بسيط هو أنه رأى من الفائدة لنفسه أن يناور لإذكاء نار الخلافات بين خصوم تيار التصفية من روس وبولونيين، وأن يخدع العمال الروس فيما يتعلق بالبرنامج.

إن تروتسكي لم يكن له بعد رأي ثابت في أية قضية جدية من قضايا الماركسية. فقد كان يتسلل دائما في الثغرات بين الخلافات، وينتقل من معسكر إلى آخر. وها هو ذا قد أصبح اليوم رفيق البونديين ودعاة التصفية. والحال أن هؤلاء السادة يتصرفون على هواهم تجاه الحزب.

إليكم ما يقوله البوندي الجنتلمان ليبمان:

« حين وضعت الاشتراكية الديموقراطية الروسية، منذ خمسة عشر عاما فقرة في برنامجها تتناول حق كل قومية في "تقرير مصيرها" تسائل كل واحد ( !) ماذا يعني في الحقيقة هذا التعبير الدارج ( !) ولكننا لم نتلق جوابا ( !) على ذلك. وظل ( !) هذا التعبير مغلفا بالضباب، وكان من الصعب فعلا في ذلك الحين ازالة الضباب عنه. وكانوا يقولون انذاك: لم يحن الوقت بعد لتوضيح هذه الفقرة وتجسيدها، فلتبق الآن مغلفة بالضباب ( !) فان الحياة نفسها هي التي ستعين المضمون الذي يجب وضعه في تلك الفقرة  ».

أليس طريف هذا "الصبي العاري"(3) الذي يتهكم على برنامج الحزب ؟

ولماذا يتهكم ؟

لا شئ إلا أنه مغرق في الجهل لم يتعلم شيئا، بل لم يقرأ شيئا من تاريخ الحزب، ولأنه سقط في وسط من دعاة التصفية اعتادوا السير عراة عندما يتناولون قضايا الحزب، والروح الحزبية.

يفاخر أحد الإخوة، في رواية بوميالوفسكي، بأنه « بصق في برميل من "الملفوف المخلل"(4) ولكن السادة البونديين فعلوا أكثر من ذلك. إنهم يطلقون العنان لأصحابهم من أضراب ليبمان لكي يبصق هؤلاء السادة أمام جميع الناس في برميلهم بالذات.

أما أن هناك قرارا صادرا عن مؤتمر حزبهم، قد برهنا (علي الرغم من أنهما كانا صارمين في نقدهما وخصمين ألدين "للايسكرا" !) على أنهما وافقا على ذلك المعنى، فجميع هذه الأشياء لا تهم ليبمان وأضرابه ! أليس من الأسهل، والحالة هذه تصفية الحزب مادام بعض الحرفيين "صحافيي الحزب" (لا تمزحوا !) يعمدون إلى معالجة تاريخ الحزب وبرنامجه على طريقة الأخوة.

وهذا "صبي عار" آخر هو السيد يوركيفيتش، المحرر في مجلة "دزفين". إن هذا السيد قد اطلع، أغلب الظن، على محاور المؤتمر الثاني، لأنه استشهد باقوال بليخانوف التي أوردها جولد بلات وأظهر أنه يعرف أن حرية تقرير المصير لا يمكن أن تعني إلا حق الانفصال ولكن هذا لا يمنعه من النميمة على الماركسيين الروس في أوساط البرجوازية الاوكرانية الصغيرة، بادعائه أن هؤلاء الماركسيين هم من أنصار "وحدة كيان الدولة" الروسية (1913، العدد 7 – 8، صفحة 83 وما يليها). إن السادة يوركيفتش وأمثاله لم يكن في وسعهم، بالطبع، أن يجدوا وسيلة أفضل من هذه النميمة لابعاد الديموقراطيين الاوكرانيين عن الديموقراطيين الروس. والحال أن هذه المباعدة مطابقة لمجمل الخطة السياسية التي ينتهجها فريق الأدباء الذين يكتبون في مجلفة "دزفين" ويدعون فيها إلى فرز العمال الاوكرانيين في منظمة قومية خاصة !"(5).

ومن المؤكد أن يلائم هذا الفريق من البرجوازيين الصغار القوميين المتعصبيتن الممعنين في شق صفوف البروليتاريا – وهذا هو الدور الموضوعي الذي تقوم به مجلة " دزفين " – أن ينشروا أقصي الغموض حول مسألة القوميات. ومن المسلم به أن السادة أمثال يوركيفتيش وليبمان – الذين يغضبون " بشدة " حين نصفهم بانهم عناصر تعيش " قرب الحزب " – لم يذكروا كلمة واحدة، ولا كلمة واحدة ابدا، عن الطريقة التي يرغبون، هم انفسهم، أن تحل بها قضية حق الانفصال في البرنامج .

وهذا هو " الصبي العاري " الثالث .. السيد سيمكوفسكي، الذي " يهدم " في أعمدة جريدة دعاة التصفية وامام جمهور الروس، الفقرة التاسعة من البرنامج، ويصرح في الوقت نفسه أنه " بالنظر لبعض الاعتبارات لا يؤيد الاقتراح " القائل بحذف هذه الفقرة ! ! !

أنه أمر لا يصدق، ولكنه أمر واقع .

بل وفي اغسطس عام 1912، وضع المجلس العام للدعاة التصفية مسألة القوميات على بساط البحث رسميا. وخلال ثمانية عشر شهرا، لم يصدر مقال واحد بشأن الفقرة التاسعة، ما عدا مقال السيد سيمكوفسكي وفي هذا المقال، راح الكاتب يفند البرنامج ويعلن في الوقت نفسه انه بالنظر إلى بعض الاعتبارات (ويحتمل أنها مرض سري ؟) لا يؤيد " الاقتراح القائل بتعديله " ومن الممكن المراهنة بأنه من العسير حقا العثور على أمثلة، في العالم بأسره، على هذا النوع من الانتهازية، بل على ما هو أفظع من الانتهازية، على هذا الجحود للحزب، على هذه المحاولة لتصفيته. اما البراهين التي يوردها سيمكوفسكي، فمثال واحد يكفي لايضاحها فهو يقول:

" ما العمل اذا ارادت البروليتاريا البولونية خوض النضال المشترك " ضمن نطاق دولة واحدة، مع بروليتاريا كل روسيا، واذا أرادت الطبقات الرجعية في المجتمع البولوني، على عكس ذلك، فصل بولونيا عن روسيا واستطاعت ان تنال في استفتاء شعبي أكثرية الاصوات .. ايجب علينا، نحن الاشتراكيين – الديموقراطيين الروس، ان نصوت في البرلمان المركزي مع رفاقنا البولونيين ضد الانفصال، أو من أجل الانفصال، خوفا من خرق " حق حرية تقرير المصير " .. (جريدة " نوفايا رابوتشايا جازيتا "، العدد 71) .

يتبين من هذا ان السيد سيمكوفسكي لم يدرك حتي ما هو المقصود ! فهو لم يفطن إلى أن حق الانفصال يتطلب بالضبط حل القضية لا بواسطة البرلمان المركزي، بل فقط بواسطة برلمان (مجلس، استفتاء، .. الخ) المنطقة التي تنفصل.

ان الحيرة الصبيانية التي تبرز من " ما العمل " هذه اذا كانت الاكثرية في النظام الديموقراطي في جانب الرجعية، ان هذه الحيرة، تخفي قضية السياسة الواقعية، الصحيحة، الحية، حيث يري بوريشكيفيتش واضرابه، " شأنه شأن " كوكوشكين واضرابه، مجرد التفكير في الانفصال على أنه جريمة فيجب في زعم المؤلف، على البروليتاريا في روسيا " كلها " لا أن تناضل اليوم ضد البوريشكيفيتشيين والكوكوشكينيين، بل أن تتجنبهم وتناضل ضد الطبقات الرجعية في بولونيا !

وهذه الحماقة التي لا تصدق هي التي تنشرها صحيفة دعاه التصفية، الصحيفقة التي يعد السيد مارتوف واحدا من قادتها الايديولوجيين .. ومارتوف نفسه الذي حرر مشروع البرنامج ودافع عنه في عام 1903، وكتب بعد ذلك أيضا مؤيدا حرية الانفصال. ولكن يظهر أن مارتوف يفكر اليوم على الطريقة الآتية .

لا ضرورة أبدا للذكاء

ارسلوا " ريد " إلى هناك

وأنا، سوف أري ! (18 )

وها هو يرسل ريد – سيمكوفسكي ويفسح له المجال في صحيفة يومية، وامام قراء جدد لا يعرفون برنامجنا، ليشوه ذلك البرنامج، ويثير الغموض حوله إلى درجة لا متناهية !

أجل، أجل ان تيار التصفية قد سار شوطا بعيدا .. فلم يبق أي اثر للروح الحزبية لدي طائفة من الاشتراكيين – الدجيموقراطيين السابقين وحتي من البارزين منهم .

أن روزا لوكسمبورج بعيدة بالطبع عن هؤلاء، ولا يمكن وضعها في صف ليبمان ويوركيفيتش وسيمكوفسكي. ولكن مجرد تعلق هؤلاء الناس بالضبط بأذيال خطتها، يثبت بوضوح خاص إلى أي درك من الانتهازية قد انزلقت.


(1) يستشهد لينين هنا باقتباسات من مقال حـ. ف. بليخانوف " مسودة برنامج الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي " وهو المقال المنشور في صحيفة زاريا العدد الرابع لعام 1903 .
 

زاريا: صحيفة ماركسية سياسية علمية، صدرت بطريقة علنية في شتوتجارت خلال عامي 1901 – 1902 وأشرف على تحريرها نفس أعضاء هيئة تحرير " أسكرا ". وظهر من تلك الصحيفة أربعة أعداد فقط: العدد الأول في أبريل 1901 (أو 23 مارس حسب التقويم الجديد). وظهر العددان 2، 3 في ديسمبر 1901 والعدد الرابع في أغسطس 1902. وتحددت أهداف اصدار هذه المجلة في "مسودة اعلان هيئة تحرير مجلتي اسكرا وزاريا" الذي كتبه لينين في روسيا. (أنظر الطبعة الحالية مجلد 4). وفي عام 1902 ابان الخلافات والصراع الذي نشب حول هيئة تحرير صحيفة أسكرا وزاريا اقترح بليخانوف وضع خطة لفصل الصحيفة عن المجلة على أن يتولي هو رئاسة تحرير زاريا. ولكن اقتراحه لم يصادف قبولا واستمر اصدار الصحيفتين تحت أشراف هيئة تحرير واحدة .

دأبت زاريا على نقد اتجاه المراجعة الأممي والروسي ودافعت عن المبادئ النظرية للماركسية. ونشر لينين في هذه الصحيفة المقالات الثانية: "ملاحظات عابرة" و "مضطهدو أتباع زيمستوف وهاينباك من أصحاب الاتجاه الليبرالي" و "انتقادات حول المسألة الزراعية" (وهي الفصول الأربعة الأولي من كتاب "المسألة الزراعية والانتقادات الموجهة إلى ماركس") و"مراجعة لشئون الوطن الداخلية" و"البرنامج الزراعي للحركة الديمقراطية الاشتراكية الروسية." هذا فضلا عن مقالات بليخانوف "نقد نقادنا. الجزء الاول. السيد ب. ستروف يلعب دور ناقد النظرية الماركسية عن التطور الاجتماعي". و"كانت ضد كنط أو انجيل السيد برنشتين" وغيرها.
 

(2) أبلغونا أن الماركسيين البولونيين اشتركوا في اجتماع ماركسيي روسيا في صيف 1913، بصفة استشارية فقط، وأنهم لم يصوتوا قط على مسألة الحق في تقرير المصير (في الانفصال) لأنهم عارضوا هذا الحق بوجه عام. وطبعا، كان من كامل حقهم أن يتصرفوا على هذا النحو وأن يواصلوا القيام في بولونيا بتحريض ضد انفصالها. ولكن هذا ليس تماما ما قصده تروتسكي، لأن الماركسيين البولونيين لم يطلبوا اطلاقا حذف الفقرة التاسعة من البرنامج. – لينين
 

(3) فقرة من اسكتش "بلاد بره" تأليف الكاتب الهجائي الروسي "سالتيكوف شيدرن".
 

(4) يقتبس لينين هنا تعبيرا من "اسكتشات لاهوتية" تأليف الكاتب الروسي ن. حـ بوميالوفسكي .
 

(5) راجع بصورة خاصة مقدمة السيد يوركيفيتش لكتاب السيد ليفنسكي. ("نظرة في تطور الحركة العمالية الأوكرانية في غاليسيا"، كييف، 1914).